تحديات التّعليم في ظل "كوفيد 19" (3)

 

د. عزيزة الطائية

لعل أبرز ما يشغلنا في هذه الآونة كتربويين (معلمين وآباء) تعليم أبنائنا، والتحديات التي تواجه مسار تقدمهم مع أزمة عالمية اخترقت - لا أقول- المنازل، ولا الدول، بل جسد المنظومة التعليمية بكل كيانها عالميا، وأصبح التعليم مع أزمة "كوفيد- 19" أزمة عالمية شائكة احتارت جميع الدول في تذليل الصّعوبات، وتخطي التحديات من أجل استمرارية التعليم؛ حتى غدا الحديث عن التعليم الإلكتروني هو الخلاص، رغم ما ترتب عليه من نتائج سلبية عادت على المتعلم والمعلم عند إدارة الوقت وبرمجة الدروس؛ وما زالت المنظومات التربوية والتعليمية على كافة الأصعدة والمستويات والمراحل تتدارس في الآلية المجدية كبديل فاعل ومثمر لاستمرارية التعليم، وعدم توقفه، وأصبح الجميع يترقب بصمة أمل في تدارك السلبيات منها، وتفعيل الإيجابيات التي وقفت عندها.

وفي هذا المقام لستُ معنية بالحديث عن المراحل المتقدمة من التّعليم العام، أو التعليم الجامعي؛ فهذا أمر نستطيع تذليله متى توفر، الآتي:

-     بيئة تعليمية إلكترونية قادرة على مواجهة الأزمة بكل اقتدار (وعيا، إدراكا، متابعة، منهاجا، أنشطة منهجية وغير منهجية داعمة للمنهاج المدرسي، أو الجامعي).

-     الإمكانية المادية التي تضخ المؤسسة التعليمية بوسائل التواصل الإلكتروني عبر منصات فاعلة قادرة على برمجة المنهاج التعليمي والأدوات التابعة له، مع مراعاة فئة صعوبات التعلم الذين التحقوا بهذه المؤسسات.

-     تنظيم الوقت للمعلم، عبر جدول زمني من خلاله تتفاعل البيئة التعليمية ككل متكامل، وكأن العالم الواقعي الذي تحياه المدرسة، سيكون عبر منصة تواصل حية هي بمثابة يوم دراسي متكامل، وسنة دراسية تعليمية مكثفة.

-     الاستفادة من الخبرات التعليمية من كوادر إدارية وتعليمية لها المراس الفاعل في آلية توظيف التعلم الإلكتروني، وقولبة الصفوف، والتدريس عن بعد.

-     بث الوعي المجتمعي من خلال منصتين إعلاميتين بالتعاون مع وزارة الإعلام، تديرهما الوزارتان: الأولى، للتربية والتعليم، والثانية، وزارة التعليم العالي)، لمُمارسة التعليم، وتحقيق الفعالية الإيجابية المنتجة. عبر هاتين المنصتين. والتي تشترك فيها عدة فئات، هي:

أولا: على مستوى الجامعات والكليات: (الإمكانيات المادية، المحاضر، المتعلم، البيئة التعليمية، الأجهزة الإلكترونية)

ثانيا: على مستوى المدارس العليا: (برمجة خطة المنهاج، البيئة، المنهاج، إدارة المدرسة أو المؤسسة التعليمية، المعلم، المتعلم، أولياء الأمور، مراعاة الإمكانات المادية للأسر)

ولكن القضية أكبر من ذلك، ونحن مقبلون على عام دراسي جديد بكل ما نحمله معنا من قلق وخوف وتحديات مجهولة (منهجية، ومادية، ومعرفية، ونفسية)، ناهيك عن فنية التعامل مع الأجهزة، وإدارة الوقت وتنظيمه، وتوفر الشبكة العنقودية، وكفاءة الكادر التدريسي وخبرته، و...) يا ترى كيف سنخرج من هذا المأزق، ونحن لدينا كم هائل من الأطفال المقبلين على الصف الأول، وما يتبعه من صفوف الحلقة الأولى؟! كيف سنذلل الصعوبات لنواجه كل صعوبة من الصعوبات التي لابد من حجر عثرة يقابلها على المستوى العام والخاص أمام وعي الأهالي وقدرتهم المادية والمعرفية؟ هل من حلول لهذه المرحلة بعد تجربة عاصرناها مع بداية زمن الكورنا(Corona)؟ هل سيتوقف التّعلم ونحن ندرك اتساع عُمان، وتنوع بيئاتها وتضاريسها بين القرية والمدينة، وأحوال ناسها وإمكانياتهم، خاصة إن كان هناك أكثر من طفل في الأسرة الواحدة؟

أتساءل لدعم قضية أستقرأ إشكالياتها بكل توجس وحب وقلق.. ما الحلول حيال أبرز هذه التحديات القاسية على الطفل ووالديه والطاقم التعليمي إن كانت هناك بدائل أمام المقترحات التي تنساب إلى ذهني، وأرى كل منها صعب تحققه للمراحل الأولى، ولابد من تفعيل التعلم التفاعلي، والتعاوني، والمشاركة، والحضور، وقياس تقدم الطالب الذي هو محور العملية التعليمية التعلمية، والوقوف عند مدى استيفائه لمهارات اللغة وقياسها قراءة وكتابة وتحدثا وإنصاتا عن بعد.

وأخيرًا، هل تساءلنا عن نتائج واقع هذه المرحلة وطبيعتها لنخرج بقرار مرضٍ يسدّ الثغرة في المنظومة التعليمية، وبالأخص في الحلقة الأولى والثانية؟ أضع هنا مجموعة تساؤلات تقلقنا جميعا كتربويين وأولياء أمور لنا مراسنا العلمي والعملي، أمام تأزم مشكلة انتشار الفيروس وتصاعد عدد الوفيات عالميا.

وإذا عدنا إلى طبيعة الأطفال، فغالباً ما يجدون التغيير صعباً، خاصة إذا كان هذا التغيير عند تلقي المعلومة فجأة ودون تهيئة لها، ولعل حال الأطفال الذين عادوا وعانوا من فقد عزيز بهذا المرض أشد صعوبة وقلقاً.  توجس آخر يدفعني للتساؤل أمام عدم اتضاح الرؤية لموعد افتتاح المدارس وآلية التعليم الذي سيكون عليه أبناؤنا. كيف ستبدو العملية التعليمية عندما يبدأ العام الدراسي الجديد؟ وإن كان النظام سمح بالحضور ما التدابير التي ستتخذها المدرسة من استخدام المعقمات والمطهرات، وفرض التباعد الاجتماعي - لا شك - سيكون مزعجاً للأطفال، وسيتحول عن تحقيق المبتغى من المشاركة والتعلم التعاوني. وماذا عن الفترة التي تسبق العودة إلى المدرسة خلال الأيام الأولى، ما المخطط الإعلامي لتهدئة النفوس وتهيئتها؟ فقد يعاني الطفل الكثير من المشاعر المختلطة، ومن المهم أن يتم دعم الطلاب في هذه المرحلة قبل بدء العام الدراسي، وتفعيل منهاجه. فقد تظهر بعض التغيرات في سلوكهم، مثل:

تغيرات في وقت النوم، وفقدان شهية الطعام، والرغبة في الانعزال، والهدوء المبالغ فيه، وصعوبة الانفصال عن الأهل، والاندماج مع الصحب، وازدياد الحركة والجنوح نحو العنف، والاضطرابات السلوكية والانفعالية، والشعور بالخوف ورفض الذهاب إلى المدرسة، وكثرة الأسئلة بهدف الاطمئنان والاستمرار، وظهور أعراض جسدية كالصداع وآلام المعدة.

والأهم، أمام هذه التغيرات كيف نعد الأهل والطفل معاً للعودة إلى المدارس واستقبال العام الجديد، ونحن محاطون بالخوف والقلق وعدم وضوح الرؤية حتى الآن، وفي أذهاننا ضجيج من الأسئلة حيال تفعيل منظومة التعليم بأسلوب فاعل، وتقنية مخطط لها، والحد من المشاعر التي تنتاب الطفل تجاه الالتحاق أو العودة إلى المدرسة مع غياب التوعية، وتفعيل دور المؤسسات الراعية للطفولة؟

إن كل المخاوف والتساؤلات والتدابير ستحقق رؤية جديرة بالتفعيل على المستوى العام للبلاد، وسنخرج من تجربة هذه الأزمة بقيم ودروس وتغيرات سلوكية ونفسية إيجابية سيكتسبها الطفل عند تلقي العلم في زمن التباعد الاجتماعي، أو التعليم الرقمي قبل والديه ومعلميه، ولعل أبرزها: اكتساب الوعي ببعض السلوكيات، والعادات الطيبة، والمحافظة على نظافة البيئة، والصحة العامة، وتعميق مهارات احتواء الآخرين وانفعالاتهم، وضبط النفس، وتجنب الخلافات والنقاشات التي تستهلكنا دون أن تضيف لنا شيئا، واستشعار معاناة الآخرين، وتعزيز روح المجتمع الواحد، والقدرة على العمل والدراسة في ظروف مختلفة، وخلال فترة وجيزة، والاستمرار في التعلم والتواصل والحوار والنقاش ولو عن بعد، وتفعيل متعة التعليم الرقمي باللعب، كالرسوم المتحركة، والبحث والاكتشاف والاستقصاء، وممارسة الأنشطة الصفية وغير الصفية من خلال أقراص مرنة تفعل مهاراته، وتنمي قدراته، وتمكين المعلم وتدريبه على فعاليات تدريسية جديدة في ظروف مختلفة، وزيادة وعي أولياء الأمور بالثقافة الرقمية والمعلوماتية، وفعالية المؤسسات التربوية ومواكبتها للحلول في إدارة الأزمات.

وفي الختام.. كلنّا ثقة ويقين.. ستعود الحياة الطبيعية تدريجيا، وسنخرج قريبا من هذه الأزمة ونحن محملون بالعظات والدروس والخبرات التربوية والتعليمة المستفادة. وسنقول: كورنا خبرة مؤلمة، ولكنّها مثرية، وسنصبح أكثر قدرة – بإذن الله- عند إدارة أزمات حياتنا.