تحديات التّعليم في ظل "كوفيد 19" (2)

 

د. عزيزة الطائية

إنَّ طفل اليوم، هو إنسان الغد لذلك أصبحت التربية الحديثة تعده محور العملية التعليمية، وتولي نموه الجسدي والنفسي والذهني عناية كبيرة، حتى يكون قادرا في المستقبل على تحقيق نموه الذاتي، وتكيفه الاجتماعي؛ لذلك تشدد التربية الحديثة على التعلم الميداني الذي يُعزز من فاعلية اكتساب المهارات والخبرات الحياتية من خلال المواقف اليومية والتجارب العملية ليكتسب الطفل قدرة على التفاعل مع البيئة المحيطة أسرياً، ومحلياً، ومجتمعياً. وليصل إلى المرونة في التعامل مع الثقافة الإنسانية، واحترام الرأي والرأي الآخر، وتمكينه من توظيف الأساليب الحديثة من أجهزة وبرامج ولعب في العملية التربوية التعلمية أثناء عملية التعلم.

هذا التقديم البسيط يضعنا أمام إشكالية كبيرة، وتحدٍ أكبر ونحن نعيش عصر "الكورنا" باعتبار "قضية التعليم" هي الموجه الأول الذي تعوّل عليه الأمم جميعها لتحسين أدائها، وتقدمها، والسعي لدراسة حاجات المعلمين والمتعلمين على السواء؛ لتحقيق منتج تعليمي فاعل عند استثمار البرامج التكنولوجية لتفعيل عملية التعليم الرقمي في عصر الثورة المعلوماتية المتسارعة، والعمل على تحسين مخرجاته أمام تلك التحديات المتزايدة يوماً بعد آخر. حتى لا تؤثر الأزمات المتوالية على تراجع التعليم، بل تطوير أداء المعلمين، ورفع مستواهم، وإعدادهم كي ينهضوا بالعملية التعليمية لتحقيق الكفاءة المرجوة عند مواكبة الأزمات الطبيعية من جهة، والمتغيرات من جهة أخرى.

إن تقلص المسافات بين الشعوب بفضل الوسائل الرقمية الحديثة، ووسائل التكنولوجيا جعل العالم يتقارب ويتقلص بصورة مستمرة، وعلى هذا الكوكب أصبحنا جميعاً مواطنو العالم بأسره تعليمياً وثقافياً ومعلوماتيا؛ ولكن حين يأتي الحديث عن قضية التعليم وقت الأزمات، نتوزع ونتفرق كل حسب معطيات مجتمعه وإمكانيات المكان الذي ينتمي إليه؛ حينها سنفكر - بلا شك – في ممارسة جديدة تتواءم مع المقتضيات والإمكانيات المتوفرة بشريا ومعلوماتيا والتي تعين المؤسسة التربوية لمواصلة دورها، ومواجهة التحديات التي تقف دون استمرارية أهدافها؛ فتتوالى الصعوبات والتساؤلات والحلول الكفيلة بتذليل تلك الكفايات التعليمية التي تسعى التربية والتعليم لاستمراريتها ومواصلة طموحاتها، والتمكين منها على أربعة مستويات هرمية تتفاعل مع بعضها، وهي: (المدرسة، المعلم، المتعلم، المنهج). فيغدو الوطن من - أقصاه إلى أقصاه - متيقن بضرورة وضع الحلول الفاعلة، والمواءمة المنظمة بينها في كل متكامل؛ بمقاربة ثقافة علمية واعية ليثمر التواصل بين المؤسسة التعليمية والمجتمع بأسره. وطالما أن البدائل محدودة جدا لمواصلة التعليم، وهي تتأرجح بين بعدين أساسيين، أولهما، التعلم عن بعد، وثانيهما، التعليم الإلكتروني. ولكل منهما صعوباته وتحدياته، إيجابياته وسلبياته. فإن كان الأول، يفتقر إلى التواصل بين المعلم والمتعلم، ويتحقق من خلاله التعلم الذاتي بالبحث والاستقصاء، دون خضوع الطفل لعملية قياس تطوره وتقويم نمائه. فإن الثاني، مرتبط بالتواصل التفاعلي المُباشر عبر وسائل الاتصال الحديثة من خلال أنشطة اللعب الإلكترونية الممنهجة، ويتحول فيها دور المعلم من ملقن إلى مشرف. ولكلٍ من هاتين الوسيلتين تحدياته وصعوباته بناء على الإمكانات المتوفرة التي نستشفها مجتمعياً على الصعيد التربوي والأسري والمجتمعي.

ولا خيار أقوى إلا تفعيل أحدهما، أو كليهما؛ لذا علينا تذليل الصعاب حسب طبيعة المرحلة التعليمية التي تتجاذبها أطراف عدة لنيل المعرفة ومواصلة تلقي الطلبة لتعليمهم في بيئة تيسر لهم التفاعل والمشاركة والحوار وإبداء الرأي؛ والأهم اكتساب المهارات المعرفية والعلمية.

وطالما أننا شيئا فشيئا نقترب من العام الدراسي الجديد علينا أن نفكر –وبجدية- متسارعة فاعلة في مآل التعلم والتعليم بكافة مراحله؛ لتيسيره وعدم حرمان الطالب من سنة دراسية ترحل تقدمه العلمي، أو تجعل منصة التعليم المدرسي في عوز بين الحذر والخوف، والأسباب والمسببات التي تحول دون تقدم مسار المتعلم، وتفعيل المنهاج الدراسي بأقل تكلفة ممكنة، والاستفادة من الأطروحات التي تفيد عدم توقف مسار العملية التعليمية وتلقيها، وآلية ترشيد منصة التعليم بتوفير البيئة المدرسية المناسبة مع معطيات الوباء، وتنظيم الدوامات والوقت بانضباط ودقة؛ لأنَّ التعليم المدرسي هو أسمى الغايات التي تواجه تحديات الوباء ترددا وسجالا في منظومة البيئة التعليمية في ظل الثقافة الرقمية مجتمعيا.

إننا إزاء فيض من التحديات، وليس لدينا الخيارات المفتوحة عندما نواجه أزمة عالمية، جديرة بالالتفات حين تقارب تعليم الأجيال وانقطاعهم عن البنية المعرفية التي يشتركون فيها مع أقرانهم، ويتفاعلون مع المنهاج في بيئة سوية مستقرة متوازية. بل ما السبل الواعية والمقبولة للوصول إلى قرارات فاعلة تعالج الأزمة الحالية – ولو بشكل مؤقت- لتفادي تحديات عملية التعليم والتعلم بأبسط الحلول ضمن منهاج دراسي لا يسبب تراجع المتعلم؛ بل يكسبه مرونة تلقي المعلومة في فضاء عالم معرفي تقني، وإخضاع التعليم لعملية تقنية تستثمر إمكانات المعلم قبل المُتعلم وخبراته الوظيفية.