أوعية الموت

عبدالله سليمان العامري

يقتل يومياً ما بين 70 و100 من أبناء غزّة الأبرياء، أطفال وشيوخ ونساء، يهروِلُ جياعَ غزّة بأوعية الموت إلى ميدان الإبادة الأمريكي الصهيوني المشترك. يتفرج عليهم أكثر من 400 مليون عربي وزعماؤهم، ومن يدّعون أنهم علماء في الإفتاء، والمحللون والناقدون، فأي عار بعد هذا، إنها حقاً من عجائب الزمن، وإنها لحقاً غصة في الحلق ما بعدها غصة.

والله إنَّ اللسانَ ليعجز ونحنُ نتفرّج على أهل غزّة وهم يتساقطون في ميدان الإبادة عندما يهرولون بأوعيتهم وقد طويت بطونهم لأيام.

أرادوا أن يعودوا بشيء لسد رمق أطفالهم. وهم يعلمون أنهم ذاهبون إلى ميدان الإبادة، ومن عاد منهم يعود بوعاءٍ فارغ، هرباً من الموت، ليموتَ جوعاً. وإن عاد َبشيء يجدُ الخيمة قد حُرِقتْ هي ومن فيها، والجِدران قد سقطت على رؤوس من تبقى من أسرته، فيقع بين أجساد أطفالٍ قد تفحّمت، وأشلاء أطفالٍ قد فُصِلت رؤوسهم عن أجسادهم، وحوامل قد بُقِرتْ بطونهن، ورماد شيوخ.

انتفضت إنسانية الغريب وماتت عند أكثر من 400 مليون عربي وتحرك الضمير عند الغريب والعرب بلا ضمير، فهل بعد أكثرَ من 700 يوم وبعد هذه الإبادة، إبادة؟ وهل بعد هذه المأساة، مأسأة؟ وهل بعد هذا الذُّل، ذُل؟ لتنتفض الإنسانيةُ عند العرب شعوباً وقادة ويتحرك ضمير؟ أم أن إنسانيتُنا وعروبتُنا مجرّد ثرثرة.

إن الظلمةَ لا تُشعُّ نوراً، والباطلُ لا ينتصرُ على الحق وإن طال الزمن. والتضليلُ لا يحجبُ الحقيقة. هذه بديهيات وليست اجتهاداً.

علمنا التاريخ على مدى عقود أن قلوب رؤساء أمريكا، قلوبٌ مُظلمه لن يشعَ نورٌ منها. قلوبٌ لا تعترف بالحق. قلوب تكره الحقيقة. قلوب ظالمة لا تعرف العدالة والإنصاف.

ذهبَ بايدن وجاء ترامب، رجل الموت الجديد، وسيذهب ترامب ويأتي رجل الموت الجديد، فقد أعتاد قادة أمريكا على هذا المبدأ فيما يخص حقوق العرب بعد أن وجدوا من العرب من يتشبهون بهم في هذا الزمان ولا يخالفونهم في شيء. وجدوا أن حياة الإنسان لا قيمة لها عندهم والدليل على ذلك حصاد الأرواح في غزّة، وما عرب اليوم إلا وسطاء.

جاء ترامب ليعطي مزيداً من الدروس الجديدة لتلاميذه عن السلام، وهم يؤدون العمل على أكمل وجه. مطيعون، ويحفظون الدروس عن ظهر قلب، ويكرهون الشغب، ولا يعترضون على أيِّ مسألة من المسائل، هذا ما يؤكده واقع غزّة. فبعد مضي ستة أشهر على مجيء المعلّم الجديد، زعيم القتل بدليل استمرار آلة الجوع والعذاب والموت، الأمريكية الإسرائيلية في الإبادة الجماعية في أبناء غزّة الجوعى المحاصرين إقليمياً ودولياً.

في هذا العهد المظلم، تعلمنا على مدى عقود أن كلُ رئيسٍ أمريكي جديد لا يضع أي اعتبار للنفس البشرية وعقيدتها وحقها في الحرية والحياة حتى وإن كانت تلك الأنفس الجائعةُ والمظلومة تصلُ تلاميذه بصلة من الصلات.

هكذا يأتي رئيس أمريكي ويذهب، ويخلعه رجل الموت الجديد دون تسجيل غياب لأي تلميذ من التلاميذ عن دروس الباطل. وهكذا تدار المدرسة الأمريكية الإسرائيلية.

 لكن أبناء غزّة الأحرار ومقاومتهم وبعد ما يقارب السنتين ومقتل ما يقارب 9 آلاف عسكري من مختلف الرتب وتدمير 500 مركبة، خرج منها العشرات عن الخدمة، وخسائر تقارب 68 مليار دولار حسب مصادر الجيش الإسرائيلي الباطلة، لا يزال أبناء غزّة يخطّون بدمائهم الزكية أسطورة انتصار الحق ولم ولن يثنهم عن ذلك حصاد الأرواح والجوع والحصار الإقليمي والدولي. فها هو ترامب ونتنياهو يبحثان بين أشلاء الأطفال والشيوخ والنساء عن نصرٍ مفقود بعد حصاد الأرواح، تحت مظلّة الإنسانية والسلام.

 غزّة بأبنائها ومقاومتها أنارت الظلمة بنور أرواح أبنائها، وداوت العيون التي أصابها الرمد، وبمقاومتها علا الحق على الباطل ومزّقت الحجاب عن الحقيقة بدماء أطفالها وشيوخها وحرائرها.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة