ضحايا نحن.. ولكن من غير فيروسات!

غسان الشهابي  *

في اتصالٍ هاتفيٍّ نادرٍ مع أحد الأصدقاء، اكتشفتُ فجأة أثناء الحديث الذي غرقت معه فيه، أنَّنا قضينا حوالي 20 دقيقة نتحدث عن فيروس كورونا وتأثيره على العمل والصحة، ومن أصاب مِمَّن نعرف، وكيف تعامل الناس مع مسألة المخالطة، الفحص، والعزل، و...و... فانتبهت إلى هذا الغرق غير المحمود ربما، وأشرت عليه بأهمية تغيير الحديث؛ لأن هذا الحديث متعب للنفس والنفسية... حتى عندما أنهينا المكالمة قال لي: أراك على خير... ومن دون أن أشعر رددت: أين ستراني مع هذا الفيروس الذي أفسد علينا حياتنا ولقاءاتنا؟!

انتقلتُ بالحديث عن مشاريعنا الخاصة، فقادنا الحديث إلى كورونا وتأثيرها على الإنجاز، فغيَّرنا الحديث إلى المؤتمرات السنوية التي نذهب إليها في مجالات اهتماماتنا، فأوصلنا الحديث إلى أنَّ هذا العام ربما يخلو من المؤتمرات في ظل كورونا، فغيَّرنا الحديث إلى القراءات، فتوصلنا إلى أننا كنا نقول إنها فرصة للقراءات المتعددة بسبب المكوث في البيت، لكن وجدنا أننا استنفدنا جميع الحيل من أجل الالتفاف على الوضع، فوجدنا أن الوضع يلتف علينا ويخنقنا بنفسه ومعطياته واسمه وبكل ما فيه.

وفي العام 2000، كنت أتابع موضوعاً مثيراً آنذاك، وهو موضوع الانكباب على الإنترنت وغرف الدردشة، والاستغراق المبالغ فيه للدردشة خصوصاً، وفي تلك الفترة المبكرة من عُمر تعرفنا في المنطقة على الإنترنت، وجدنا أنَّ الدول الغربية سبقتنا (وليس في ذلك عجب) بإيجاد عيادات خاصة بإدمان الإنترنت بما يلقيه على المدمن من تصرفات ونفسية أقرب ما تكون لنفسية متعاطِي المخدرات... هذا لمن يملك جهازاً إذ ذاك، ويملك خط إنترنت.

لكنَّنا اليوم نتعاطَى مع الفيروس والمرض الكريه بشكل جمعي، شئنا أم أبينا، كباراً وصغاراً، متعلمين وأنصافَ متعلمين وأميين. على الرَّغم من ارتفاع أعداد الإصابات المؤكدة بـ"كوفيد 19"، إلا أنَّها لا تعني شيئاً بالنسبة لتعداد كوكب الأرض، والوفيات الناجمة عنه إلى الآن لا تقارن بأسباب قديمة من الأمراض والحوادث التي يعرفها العالم منذ عقود، لكنه لا يتعامل معها بالهلع نفسه؛ لذلك فإنَّ هذا الفيروس إن لم يدخل الأجساد السليمة، فإنه أصاب العقول باللوثة، والأمزجة بالفساد، والتفكير العام بالشلل، والنفس بالوسواس؛ فلا شيء نخطط لفعله في الغد إلا ووضعنا "كوفيد 19" في الحسبان، لنجده واحداً من أهم التفاصيل، إن لم يكن أهمها على الإطلاق في أي تحرك ننويه.

يُقال إنَّ هذا الفيروس يُصيب الرئة ويجعل المرء غير قادر على التنفس، وها هم الأصحاء لا يستطيعون التنفس لكثرة ما سَمِعُوا عن مُضاعفات المرض، وها هو ذا العطب النفسي يتمكَّن من الكثير من الناس، وها هو ذا الاشتياق للعادي واليومي والطبيعي، الوله للمصافحة والاحتضان، بل حتى صار تقليب البضائع عند البعض أمنية عزيزة خوفاً من تناقل الفيروسات... فما عاد الفيروس بحاجة لتواجده الشخصي في الأفراد، بل يمكنه أن يفعل فعله بمجرد أن يمرّ ذكره... اللهم اجعل كلامنا خفيفاً عليه!

 

* كاتب بحريني