أين وصلت الحكومة الإلكترونية؟
مرتضى بن حسن بن علي
طُرحت فكرة الحكومة الإلكترونية لأوَّل مرة في المجال الإداري في الولايات المُتحدة عام 1992، والتي أصبحت بعد سنة أول دولة تقوم بتطبيقها، وتبعتها دول عديدة أخرى في أوروبا، ثم بدأت تنتشر عالميًا، وربما في سنوات قليلة سوف يشهد العالم نهاية للخدمات الحكومية التقليدية، لتحل محلها المعاملات الإلكترونية الكاملة.
في عُمان، وتحديدا في عام 1995، كان موضوع الحكومة الإلكترونية حاضرا، أثناء المناقشات الجارية حول الرؤية المستقبلية -عُمان 2020-، وبعد ثماني سنوات وفي شهر مايو عام ٢٠٠٣م، انطلقت رؤية الحكومة الإلكترونية، عندما أقرّ مجلس الوزراء الموقر الاستراتيجية الوطنية لمجتمع عمان الرقمي والحكومة الإلكترونية، وفي الخطاب السامي لجلالة السلطان قابوس- رحمه الله- أمام مجلس عُمان، في شهر نوفمبر عام 2008، حثّ جلالته المؤسسات الحكومية على ضرورة توفير الخدمات الحكومية إلكترونياً، لتسهيل إنهاء المعاملات والإجراءات.
وفي شهر يونيو عام 2012، أي بعد تسع سنوات من إقرار الاستراتيجية الوطنية لمجتمع عُمان الرقمي والحكومة الإلكترونية، وافق مجلس الوزراء الموقر على البدء في تأسيس منظومة الحكومة الإلكترونية، على أن تنتهي في نهاية عام 2014، والآن وبعد ستة سنوات لا تزال الحكومة الإلكترونية غير منجزة.
إجمالا هناك مراحل عديدة لتأسيس الحكومة الإلكترونية، أهمها خمس:
١- مرحلة الإعلان والتهيئة: تعلن الحكومة عن هدف واضح لإنشاء الحكومة الإلكترونية، مدعومة بحزمة من الاستراتيجيات والسياسات والخطط، للوصول إلى الهدف، كما تبذل جهوداً مُتعددة لزرع القناعات لدى الموظفين بأهمية الوصول إلى الهدف، في المواعيد المحددة، وتشكل فرقًا للمتابعة لتذليل الصعوبات، ورفع تقاريرها لمجلس الوزراء مُباشرة.
٢- مرحلة التواجد: تقوم كل جهة حكومية خلال هذه الفترة بإلزام نفسها للوصول للهدف، عن طريق تكوين مواقع إلكترونية لها على الشبكة العنكبوتية "الإنترنت"، ونشر المعلومات عن خدماتها على مواقعها، لإتاحة الفرصة للجميع للاطلاع عليها، والعمل بمختلف الطرق على تفاعل المستخدمين معها وحثهم على استخدام التقنية المتاحة لإنهاء خدماتهم مباشرة إلكترونيا online، كما تقوم اللجنة الخاصة برصد أوجه القصور لتجاوزها، والقيام بحملة إعلامية مركزة، تشرح من خلالها أهمية هذه الخطوة لتسهيل الإجراءات الحكومية، وما تمثلها من أهمية في اتخاذ القرارات بسرعة على كافة المستويات الحكومية، والقيام بعملية تدريب واسعة للموظفين في الدوائر المختلفة لشرح الفوائد المتوقعة، والعمل على التغلب على غريزة مُقاومة التغيير.
٣- مرحلة التفاعل: تبدأ الجهات الحكومية المختلفة بتقديم خدماتها إلكترونيا، كل جهة على حدة، وتقوم بتخزين جميع الوثائق الصادرة عنها في الجهاز الآلي.
٤- مرحلة التكامل: تقوم الجهات الحكومية المختلفة بالتنسيق لإيجاد الربط والتكامل بينها استعدادا لإنجاز كل المعاملات من خلال جهة واحدة، بدلاً من الانتقال من جهة إلى أخرى، والتي تأخذ وقتاً طويلاً.
٥- مرحلة التحول والتكامل: وهي من أهم الإجراءات نظرا لشموليتها، وتكون المعلومات مُتاحة على الشبكة العنكبوتية المشتركة، لتمكين المُراجع من التعامل مع جهة حكومية واحدة فقط، وهي تنهي جميع معاملاته، دون أن تطلب من أي شخص أو جهة تحضير الوثائق الرسمية، فهي من المفروض من تقوم بتوفيرها على جهازها الآلي، لأنها هي التي أصدرتها، وبدون التكامل والتحول الحكوميين، فمن الصعب إنهاء المعاملات في مكان واحد. تقوم كل جهة حكومية بمفردها على إنهاء جميع الخدمات المُتصلة بها على الخط مباشرة online، ومن ضمنها:
- تسجيل الأراضي والعقارات، واستخراج البطاقات الشخصية وجوازات السفر وتجديدها، والحصول أو تجديد رخص السير وقيادة السيارات المُختلفة، والحصول على تصريحات البناء والترميم، وتقديم الإقرارات الضريبية، وتسجيل الشركات أو إضافة أنشطة جديدة، أو تخليص أية معاملة..... إلخ ، وتنجزها في وقت قصير بعد أن كانت تحتاج إلى وقت انتظار طويل بسبب عوامل البيروقراطية.
التحول الرقمي هو أحد الضروريات لكافة المؤسسات الحكومية والخاصة التي تُؤمن بأهمية التطوير والتحسين المستمر لوظائفها الإدارية وخدماتها التي تقدمها وتسهيل وصولها للمستفيدين، وهو لا يعني تطبيق التقنية العادية داخل المؤسسة فقط، بل هو برنامج شمولي يمس المؤسسة وثقافتها ابتداءً من أساليب العمل الداخلية إلى كيفية تقديم الخدمات للجمهور المستهدف، بشكل أسهل وأسرع.
التحول الرقمي يقوم بتوظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات داخل المؤسسات والهيئات سواء الحكومية أو الخاصة، بهدف تطوير الأداء المؤسسي والخدمات، وتحسين الكفاءة التشغيلية، وزيادة الفاعلية والإنتاجية، مما يخدم سير العمل داخل المؤسسة في كافة أقسامها، وأيضاً في تعاملها مع العملاء والجمهور، بحيث يضمن توفير الوقت والجهد في آن واحد، ويحسن الكفاءة التشغيلية وينظمها، كما أنه يعمل على تحسين الجودة وتبسيط إجراءات الخدمات المُقدّمة للجمهور، ويوفر فرصاً لتقديم خدمات مُبتكرة وإبداعية، والتي تُساهم بدورها في تحسين الرضا والقبول من الجمهور تجاه الخدمات الحكومية أو الخاصة، كما يسهل الربط بين المؤسسات المختلفة، أو بين المؤسسات والقطاع الخاص، لضمان جودة البيانات، ويُساعد متخذي القرار في المؤسسات على مراقبة الأداء وتحسين جودة الخدمات.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو عن سبب عدم إنجاز الحكومة الإلكترونية إلى الآن رغم أهميتها، ورغم مرور سبعة عشر عاماً منذ أن أقر مجلس الوزراء الموقر الاستراتيجية الوطنية لمجتمع عمان الرقمي والحكومة الإلكترونية في عام 2003. ما الذي منع إنجاز المشروع؟
هل كان هناك نوع من التفاؤل المبالغ فيه حول الموضوع؟ أو لم يتم تقدير الصعوبات والتحديات؟ وهل الثقافة المترسخة في الأجهزة المختلفة كانت تقاوم أي تقدم في هذا المجال سواء بسبب خشيتها من فقدان وظائفها أو على الأقل فقدان سيطرتها على المراجعين؟ أو أن صعوبات حقيقية واجهت الجهة المناط بها تنفيذ المشروع؟ أو أن الإطارات اللازمة لم تكن متوفرة، أو غير مهيأة ولم تبذل محاولات جادة لتهيئتها؟ أم أنَّ الحلول لمواجهة الخلل لم تكن واضحة أو صعبة التنفيذ؟ أو لاعتقادها بوجود حواجز عديدة من الصعب عبورها، ومنها غياب التنسيق بين الجهات الحكومية المختلفة؟ هل كان الأمر يتعلق بالإدارات وآلياتها أو لانعدام الرغبة أو الإرادة لحسم توجهات الحل؟ أو أنَّ المشكلة كانت تكمن في عدم متابعة الجهة التي أصدرت قرارها على تأسيس الحكومة الإلكترونية؟؟
عملية مثل هذه ليست بسيطة، وتتطلب كفاءات وخبرات متعددة، والأهم الإرادة والمتابعة، وكان المفروض أن تقوم المؤسسات المعنية بإيجادها وتدريبها ومتابعتها، لضمان الوصول إلى الهدف، ولكن الأهم من ذلك، كانت تحتاج تعاوناً وتنسيقاً ومسؤولية ومتابعة من جميع الجهات الحكومية، وإلى زرع منظومة ثقافية مختلفة، تختلف عن تلك السائدة، وهي ثقافة تقاوم بغريزتها أي تغيير، وتتطلب الثقافة الجديدة فترة زمنية لنضجها.
لو أننا بدأنا بها منذ عام 2003 وحتى في عام 2012، فربما كنّا نصل الآن إلى مراحل النضج، المهم ذلك هو الماضي ولن يعود، وعلينا الاستفادة من دروسه، عمان الآن في مرحلة جديدة، وعلى أعتاب البدء في تنفيذ رؤية عمان 2040، وعليها أن تسرع الخطى لتنفيذ الحكومة الإلكترونية، إن التطور السريع في تقنية المعلومات يحتم القيام بسرعة لإنجاز الحكومة الإلكترونية بأسرع وقت مُمكن، لكي يتمكن المواطنون والشركات من إنجاز معاملاتهم، والحصول على المعلومات بكل يُسر وسهولة، إنَّ هناك عدة أسباب تدعو المجتمع الحديث بما في ذلك المجتمع العُماني للتحول من حكومة تقليدية إلى حكومة إلكترونية يأتي في طليعتها التقدم التقني والثورة المعرفية، والحاجة إلى تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد، مع ضرورة الاستجابة لمتطلبات الحياة العصرية بفاعلية.