جابر حسين العماني
انتشرَ في الآونة الآخيرة ما يقُوم به بعض مشاهير السوشيال ميديا الذين أصبَح لهم التأثير الكبير في أفراد الأسرة والمجتمع، والذين أصبحوا ينشرون الكثير من المحتويات الجارحة والمخالفة للقيم الإنسانية والأخلاقية، والتي لها تأثير سلبي في التربية والتعليم بشكل مباشر؛ فقد صُنِّف ما ينشرونه ويروجون له كمشكلة كبيرة لا يجب السكوت عنها، بل يجب حلها من خلال الرقابة المشدَّدة، عبر إيجاد قانون يجرم تلك التصرفات التي باتت تشكل خطرا واضحا على المجتمع وأفراده.
إنَّ مشاهير السوشيال ميديا يُتابعهم اليوم مئات الآلاف من البشر، هؤلاء صنعوا لأنفسهم نجومية إعلامية واسعة، فهم وجدوا أنفسهم -فجأة- وسط هالة إعلامية كبيرة سرعان ما حولتهم إلى نجوم، مختلفين تماما عن نجوم الإعلام التقليدي الذي نراه اليوم في مجتمعاتنا البشرية.
إنَّ موضوع السوشيال ميديا أصبح وأمسى من أهم الأدوات المطروحة في متناول الجميع، وهو سلاح ذو حدين؛ إما أن يحسن استخدامه وإما أن يُساء به للمجتمع، وما نراه اليوم على الساحة المجتمعية هو استخدام السوشيال ميديا من قبل البعض بشكل سلبي لا يليق بعاداتنا وتقاليدنا الدينية والاجتماعية التي تربينا عليها، فأصبح وأمسى بعض مشاهير السوشيال ميديا لا يُراعون في طرحهم ما يهُم المجتمع وأفراده؛ وبالتالي فإنَّ المتضرِّر من تصرفاتهم التافهة بقصد الترفيه والدعاية والترويج هم الأطفال والمراهقون، بل وحتى البالغين في كثير من الأحيان.
إنَّ المتأمل في تأريخ الأمم السابقة وما كانت عليه من عظمة وجبروت وشموخ، يجد تلك الأمم كانت تحوي الكثير من العظماء الذين عرفوا بالهيبة والحكمة والشجاعة والفراسة والعلم والذكاء؛ حيث كانت البشرية تفتخر بعظمائها على الدوام؛ ذلك لاستغلالهم شُهرتهم بما ينفع المجتمع وأفرادة، بل بما يُرضي الله ورسوله، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا" (النساء: 59).
ومع انتشار التقدُّم والتطوُّر في زماننا الحاضر، أصبح الإنسان يستطيع إيصال صوته ورأيه بشكل عاجل وسريع إلى أكبر قدر من البشر؛ ذلك بفضل التقنية العلمية المتقدمة في العالم؛ لذا أصبح الكثير من شبابنا وشاباتنا نجومًا في المجتمع في كل المجالات والميادين، جاءت بهم الصدفة وهم ليسوا بأهل لما وصلوا إليه من نجومية زائفة أعطتهم مكانة واسعة في المجتمع لا يستحقونها، ومنحتهم الكثير من الصلاحيات العجيبة والغريبة، مع أنهم لا يقدمون للمجتمع أية فائدة تُذكر، ومع كل ذلك يتمتعون بغباء واضح تظهره وتفضحه تصريحاتهم التي يصرحون بها، ويطلقونها بين فترة وأخرى، والتي مع كل الأسف جعلتهم كأصحاب رأي وشأن في المجتمع؛ بحيث أصبحوا يشكلون ظاهرة غير صحية لأجيالنا، فأصبح اليوم الكثير من الأطفال والمراهقين يبحثون عن أمثال هؤلاء المشاهير على منصات التواصل الاجتماعي؛ مثل: يوتيوب، وفيسبوك، وواتسآب، وتويتر...وغيرها من برامج التواصل الاجتماعي لتقليدهم في لبسهم الفاضح، وكلماتهم البذيئة، وسلوكياتهم الغربية البعيدة عن تعاليم ديننا وأعرافنا الاجتماعية الأصيلة، رُوِي عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود والنصارى".
إنَّ ما نُلاحظه اليوم من بعض مشاهير السوشيال ميديا أنهم نصبوا أنفسهم أوصياء على المجتمع، وجعلوا من أنفسهم الواعظين الناصحين الأمناء المحافظين على المجتمع، والمتأمل في شأنهم وأحوالهم بشكل جيد يجد أن واقعهم مختلف تماما عن كل ما يقومون به ويقدمونه للجميع؛ فليس كل من جمع مئات من الآلاف من المتابعين، أو أعلن عن آخر موديل من الهواتف النقالة الحديثة كهدية لزيادة المتابعين يكون محلا للثقة لدى الجميع، ويؤخذ منه كل شيء بلا حساب ولا رقيب.
يجب أنْ نثقف المجتمع بمَاهية هؤلاء المشهورين المخادعين، المصابين بمرض الشهرة على حساب المجتمع، وإن كان كلامنا لا يشمل البعض منهم ممن يقومون بتقديم معلومات مفيدة ونافعة وإيجابية في مجالات كثيرة تفيد المجتمع وأفراده، وإنما نخصُّ البعض الآخر ممن يتمادى في استغلال الإعلانات التجارية التي يكون هدفها الوحيد الربح المادي السريع، حتى ولو كان ذلك منافيًا للأعراف الدينية والاجتماعية من خلال تقديم الغث والسمين، وقد يكون ما يقدمونه عبارة عن معلومات كاذبة ومزيفة تذهب بهم للمساءلة القانونية، بل وتوقعهم أحيانا في جريمة نكراء من حق القانون أن يعاقبهم عليها. وقد يكون منبرهم قد تم دعمه ليكونوا أدوات هدَّامة لقيم الوطن لمآرب جهات أخرى فيجب التنبه لهم والحذر منهم بجدية.