جابر حسين العُماني **
من الأزمات الصعبة التي ينبغي الوقوف عندها، والتي باتت تؤرق المجتمع العُماني بأسره، هي أزمة الباحثين عن عمل، وهي من أهم التحديات التي أصبحت اليوم تشكل مرضًا خطيرًا يتطلب إيجاد الدواء الناجح، وليس فقط إيجاد مسكنات لحظية لا فائدة منها.
اليوم نحن بحاجة ضرورية إلى تخطيط عاقل، ينبع من الحكمة والدراية، يتمكن من إخراج شبابنا من دائرة البطالة إلى دائرة العمل، الذي يسعى من خلاله أبناء الوطن إلى خدمة أنفسهم ومجتمعاتهم. لقد بلغ عدد الباحثين عن عمل في سلطنة عُمان 100 ألف في مطلع عام ألفين وخمسة وعشرين، وفقا لتصريح وزير العمل. وهذا الرقم يجعلنا أمام تحديات كبيرة تستدعي من المسؤولين في الحكومة اتخاذ إجراءات فعّالة حتى لا تهدر طاقات الشباب، لأنهم الشريحة الأكثر إنتاجًا على أرض الوطن. وعدم تشغيلهم يعني خسارة كبيرة في المهارات والطاقات البشرية، إضافة إلى الآثار الاجتماعية الصعبة الناتجة من ارتفاع معدلات الجريمة والأمراض النفسية وغيرها من المآسي التي قد يتكبدها المواطن العُماني الباحث عن العمل.
وهي أرقام تعكس الكثير من التحديات الاقتصادية والاجتماعية، فمتى ستحل مشكلة البطالة التي باتت تؤرق الخريجين والمُسرَّحين من أعمالهم وأدخلتهم في أزمات نفسية وجسدية هم في غنى عنها؟
تمتلك سلطنة عُمان الكثير من الطاقات والموارد الحيوية، والتي من أهمها سواعد شبابها وعقولهم المتفتقة بنور العلم والفهم وهممهم العالية، ولكن تبقى المشكلة ومع الأسف الشديد تتمثل في سوء توزيع الفرص، وغياب التنسيق الواضح بين التعليم وسوق العمل، مما خلق لنا أزمات حقيقية، والتي منها مشكلة الباحثين عن عمل، تلك الأزمة الصعبة التي باتت تتطلب من الجميع الوعي الكامل لإيجاد الحلول المناسبة والدقيقة التي من خلالها تتم معالجة ملف الباحثين عن العمل.
والمطلوب اليوم هو توفير الخطط التوظيفية الجادة التي تهتم اهتمامًا بالغًا بالخريجين بشكل سنوي، بحيث تقوم بتوزيع فرص العمل؛ بما يتناسب مع الكفاءات والتخصصات العلمية في البلاد، فليس من المعقول أن يبقى آلاف من شباب عُمان، ومنهم أصحاب الشهادات والنسب العالية جلوسا بين جدران بيوتهم عاطلين عن العمل، وشهاداتهم الجامعية معلقة تزين جدران غرفهم ومواقعهم الاجتماعية، بينما هناك الكثير من القطاعات المختلفة تسيطر عليها اليد العاملة الوافدة، فمن هم الأولى بالعمل في تلك القطاعات: أبناء الوطن أم غيرهم من الوافدين؟
اليوم لا بُد أن نؤمن إيمانًا راسخًا بأهمية الشفافية والمساءلة القانونية المسؤولة، ويأتي ذلك بمحاسبة الدوائر الحكومية التي صرفت عليها الدولة الأموال الطائلة من الريالات دون نتاج حقيقي، وإلزامها بالعمل الجاد المخلص والمتفاني في خدمة البلاد والعباد.
علينا أن نعي جيدًا ان الفرص لا تدوم على الإنسان، لذا ينبغي ألا نتأخر في استثمار الطاقات الشبابية العُمانية، فهي مهيأة لخدمة الوطن، على أكمل وجه ممكن؛ بل مستعدة لتقديم الغالي والنفيس من أجل عُمان، فقط جربوا وافتحوا لهم أبواب الحوار بشكل أفضل وشاركوهم أفكارهم، ستجدونهم أهلا للخدمة الوطنية، وأهلا لنجاح وازدهار عُمان وتألقها بين الأمم.
علينا جميعًا تحمل المسؤولية، والسعي الجاد والمسؤول لإنقاذ الوطن من البطالة وشرها، فكل يوم يمر علينا دون إيجاد الحلول المناسبة، فذلك يعني تفاقم الإحباط والقلق والأمراض النفسية، وضياع الطاقات الوطنية الجبارة التي ينبغي الاستفادة منها.
ويكفي ما قاله رسول الأنام صلى الله عليه وآله وسلم: (اَلْخَلْقُ عِيَالُ اَللَّهِ فَأَحَبُّ اَلْخَلْقِ إِلَى اَللَّهِ مَنْ نَفَعَ عِيَالَ اَللَّهِ وَأَدْخَلَ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ سُرُوراً)، صدق نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم.
إن الباحثين عن العمل هم أحق الناس بالسعادة فلا تحرموهم ذلك الشعور الجميل، وأدخلوا على قلوبهم السرور بتوفير فرص العمل المناسبة، حتى تزدهر عُمان بجهودهم بشكل أفضل وأجمل، فعُمان تستحق الأفضل، ولا يأتي ذلك إلا بتضافر جهود المخلصين.
** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء
