إلى أين نسير؟!

 

 

جابر حسين العماني

إنَّ زماننا الحاضر الذي نعيشه اليوم فيه الكثير من الذئاب والشياطين التي لاترحم من حولها، زمان أصبحت فيه الأسرة التي نطمح لنجاحها وازدهارها تسير في طريق مُظلم بمفردها بين تلك الشياطين والذئاب المفترسة، بلا ناصر ولا معين، فقد أصبحت الأسرة اليوم خالية من المشاعر والأحاسيس الطيبة التي يحتاج إليها أفرادها.

 فيا ترى إلى أين تسير؟!

أصبحنا وأمسينا نعيش مع مُحرك البحث جوجل المليء بالحب والمشاعر والأحاسيس، فأصبح كل فرد في الأسرة في عالم افتراضي مستقل مع ذاته، منعزل عمَّن حوله! متصلاً بشكل مباشر مع من هم خارج نطاق الأسرة الذين لا يعرفهم ولا يعرفونه، فأصبحت الأسرة بلا حوارات ولا مناقشات ولا حب ولا تفاهم ولا تعاون بين أفرادها، فهل ياترى أصبح البيت كبيت العنكبوت؟

فإلى أين نسير؟!

الأب العظيم - وهو خيمة الأسرة- الذي كان يجتمع الجميع حوله ليستفيدوا من تجاربه وعطفه وحنانه ورجولته تحول اليوم إلى راوتر! وباتت لا تحتاجه الأسرة إلا لدفع فواتير الإنترنت، وفواتير الأكل والشرب والنزهة والسفر، أما الأم التي كانت مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق، والتي كانت تحن بقلبها الكبير على أبنائها وزوجها ومن هم حولها، تحولت إلى واتساب وفيسبوك وإنستغرام ببثها المباشر مع بيوت الآخرين! أما الأبناء فيادهر أفٍ لك من خليل! فقد حولهم الدهر المُظلم من مسؤولين يعتمد عليهم داخل الأسرة إلى متسولين يستجدون كلمات المحبة والمودة والإعجاب والمدح والثناء الكاذب والمزيف عبر برامج التواصل الاجتماعي، فما أقساك من دهر أصبح فيك الكثيرون يلتمسون الحنان من الغريب بعد ما بخلوا به على القريب!

يا ترى إلى أين نسير؟!

أما الزوجة المطيعة لزوجها سابقاً، والملبية له احتياجاته النفسية والجسدية، أصبحت اليوم تعلق على كل منشورات الرجال الغرباء عبر الشبكة العنكبوتية، وتعجب بكل مشاركاتهم! بل وحتى بصورهم وأشكالهم المنشورة هنا وهناك، وزوجها بجانبها يبحث عن كلمات الحب والحنان وعندما لا يحصل على كل ذلك، تجده يلاطف النساء البعيدات باحثاً عن كلمات الحب والعطف والحنان التي تشعره بالنشوة والقوة والراحة، هذا وزوجته بالقرب منه لا تلبي احتياجاته ورغباته!

فيا ترى إلى أين نسير؟!

ياترى ما الذي حصل بنا؟!

وأين نعيش؟!

 ومع من؟!

وكيف نعيش أيامنا الكئيبة هذه؟!

هل نحن نسير إلى الأمام فعلا أم صرنا نتراجع إلى الوراء بشكل ملحوظ؟!

 هل نحن بشر أم أصبحنا وأمسينا أشباحا افتراضيين بهيئة البشر؟!

 لماذا كلما عزمنا على التقدم خطوة رجعنا إلى الخلف خطوات؟

أيامنا أصبحت صعبة، وتزداد صعوبة وتعقيدا، ونحن نواكب العالم الحديث الذي جعلنا نعيش كقرية واحدة أفقدتنا الكثير من عاداتنا وتقاليدنا، فأصبحت الأسرة الواحدة تعيش في ظلام دامس لا تعرف إلى أين تسير.

إنَّ ما نراه اليوم من مشاكل أسرية تسببت بها الشبكات العنكبوتية من خلال استخدامها الخاطئ، ما هو إلا داء يجب علاجه بحكمة وجد واجتهاد وإخلاص من قبل التربويين، وهذا الأمر ملقى بالدرجة الأولى على أولياء الأمور، فهم أولى من غيرهم بالعلاج النافع لمن حولهم، فلابد أن نعلم أن العلاج هو أن نتيقن جيدا أن الرسالة التربوية الحقيقية لابد أن تبدأ أولاً من البيت وليس من بيوت الآخرين، وكلما كان العمل على أداء الرسالة التربوية في البيت نفسه -قبل الشارع- فحتما ستنتهي مشاكلنا بشكل أكبر وأفضل وأجمل.

إنَّ التأريخ يحدثنا قائلاً كلما زاد الفساد وتفشى في الأسرة والمجتمع، ولم ينفع نصح الناصحين ووعظ الواعظين، فليس هناك إلا نهاية واحدة للبشر وهي الهلاك الذي لابد منه، فهل سيعود بعضنا إلى رشده، ويحترم تقاليده الاجتماعية والدينية الأصيلة؟؟ أم سيبقى يمارس الثقافة الدخيلة التي جاءت بهدف تمزيق الأسرة والمجتمع ونشر بذور الشقاق والنفاق فيهما، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من سمع النصيحة سلم من الفضيحة.