معاً لتحويلِ عالمنا

 

د. شريفة بنت علي القاسمية

 

خبيرة بحوث ودراسات

 

واستكمالاً لما بدأناه.. سنعود.. وحتى لا يفلت منا زمام الأمر؛ فإن هذا المقال لا ينفصل عمّا نحنُ الآن بصددهِ؛ كما بدا لكم من الوهلةِ الأولى والوسطى والأخيرة، فهما يمهدان لما هو آتٍ.

ولنفترض جدلاً أننا نعيشُ في "مجتمع عالمي مستدام يقوم على احترام الطبيعة، وحقوق الإنسان العالمية، والعدالة الاقتصادية، وثقافة السلام" فإن ضمائرنا تحاكي شمس كوكبنا الأزرق بأن لا نستهلك من موارده إِلّا بقدر ما يتحمل من ثورات علمية وصناعية وتكنولوجية حدثت تلبية للاحتياجات البشرية. فالاستدامة يا سادة تبدأ من ذلك الشعور السري المترجم علناً تجاه نظامنا البيئي والحيوي وذلك التوقد لضمان بقائه واستمراريته مع مرور الوقت. وحتى لا يكون سعينا شتى وطوافنا نقيضا فسوف نطوف حول رأيٍ أحادي الاتجاه نحو تلك الصورة البصرية الأخاذة كرمز يوحد آراءنا بالاتفاق حباً لاستدامة مواردنا وما آتانا الله من حكمة الرأي والرشاد للحفاظ عليها. ولتوضيح المنشود فإننا نبتغي أن نسلط الضوء على منعطفات حادة قفزت حصرياً بتنمية السلطنة لتصل بها للمرتبة الـ 53 عالميًّا والسادسة عربيًّا في "مؤشر التنافسية العالمي" لعامنا هذا. وخلاصة القول إن إسهامات السلطنة وتبنيها للدور التكافلي قطبياً أدى إلى قلب الموازين - كونها جزءا لا يتجزأ من الأيقونة الأممية؛ ما جعلها تنعطفُ علواً وتنال وسم تبديل المسميات بعد أن أنُهِكَت الدول جراء هذه المسميات التقليدية فجاء هذا الحراك لينتشل الدول من تذييلها بأسفل القوائم المتقدمة "كدول نامية" إلى دول ناشئة وساعية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. فعندما تتبوأ السلطنة صدارة القائمة عالمياً في تنافسها التنموي وفي أصعدة حساسة كـ"الخلو من الإرهاب"؛ إنما يُعزى ذلك لرؤية وحكمة القائد في تزعم مبدأ الـ"دعوة للعمل" لـ"تحويل عالمنا".

واستناداً إلى رؤية القرار الأممي ذي النطاق العريض نحو إصدار الوثيقة النهائية للتنمية المستدامة لما بعد 2015 والمعنونة بـ"المستقبل الذي نصبو إليه" كجدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة والمعروف أممياً بـ"تحويل عالمنا". فقد أُطلقت حزمة بسبع عشرة هدفاً؛ كحزمة بديلة عن أهداف الألفية الإنمائية ذي الثمانية هدفاً، وكسفيرة لخطة التنمية المستدامة، متفرعاً منها 196 غاية تتواكب معها بعض المؤشرات التي وضعت لقياس التقدم الذي أحرزه كل هدف. وجاءت هذه الحزمة خماسية الأركان لتنتظم في مسارها لتشكل كوكب الأرض، والسكان، والازدهار، والسلام، والشراكات.

ولتجذير التنمية المستدامة سيكون السرد مبنياً على أسس من الترابط كبوصلة ترشدنا إلى ذلك المبتغى، وكما أسلفنا نظرياً فإنّ التنيمة المستدامة هي "عملية تطويرية للواقع مع الأخذ بعين الاعتبار للمستقبل"، وفي مرحلة التوأمة الطموحة مع الألفية الأخيرة اعتمدت تلك المرامي بهدف دفع وتسريع الجهود الرامية. فجاءت حزمة الأهداف 17 كرموز حسابية في تصاعدها رقمياً وتسلسلياً بدءاً من القضاء على الفقر والجوع، توفير مياه نظيفة وصرف صحي نظيف، وحصول الأشخاص على التعليم الجيد، التمتُع بصحة جيدة، وتحقيق الرفاهية للأشخاص، تحقيق المساواة بين الجنسين، والحد من أوجه التمييز المختلفة، إنجاز الشراكات المختلفة لتحقيق الأهداف، تطوير الاقتصاد وتأمين العمل الكريم، الحصول على طاقة نظيفة بأسعار مقبولة، الاهتمام بالمناخ والحياة البرية والبحرية، الاستهلاك والإنتاج المسؤول، تحقيق السلام والعدل، إنشاء مدن وتجمعات مُستدامة، الاهتمام بالبنية التحتية، وتشجيع الابتكار، وانتهاءً بتعزيز الصناعة. وتترجم هذه الحزمة استراتيجية الأهداف 17؛ ومن شروطها أنها يجب: أن تكون قابلة للقياس وذلك لرسم خريطة النتائج ومراقبة الأنشطة لمساعدة الجهات المعنية على متابعة التنفيذ وإحراز التقدم.

وتأتي سلطنتا العزيزة حاملةً لراية المسؤولية في قياس ومتابعة تقدمها المحرز للأهداف المنجزة، ولذلك عمدت السلطنة إلى تحليل بياناتها النوعية بعد استقرائها وجمعها مستندةً على مبدأ المتابعة والاستعراض الإقليمي والعالمي كمشاركة فاعلة تم إثراؤها بإصدار "الاستعراض الوطني الطوعي الأول لسلطنة عمان 2019".

وبما أننا سماويون في أحلامنا، قزحيون في تحليلنا؛ فستكون أحبارنا وصحائفنا وما أجمعت به أقلامنا رفيقة دربنا في تشخيص ما وصلنا إليه، إن استطعنا ذلك.

وللحديثِ بقية ...