بين الشاري والبائع .. فتح من الله

 

غسان الشهابي

** كاتب بحريني

 

انتهى مقال الأسبوع الماضي إلى أنَّ الطائرات المسيّرة، أو التي بدون طيار، أو الدرون، باتت واحدا من أهم أسلحة اليوم والغد. فهي طائرات تجسس، وقتال، طائرات تسيّر من مراكز بعيدة عن أرض المعركة، عالية الدقة، ويمكنها القيام بالكثير من العمليات القتالية، وما بين اختراعها للتجسس أولاً، وتطويرها إلى ما وصلت إليه اليوم؛ شاع استعمال نماذج "بريئة" منها لأعمال التصوير الفني والتوثيقي، ونقل بعض الطرود لأوزان مُعينة لمسافات محددة.

ولكن السؤال كيف تمكنت بعض الدول من الحصول على هذه التقنية القتالية للطائرات المسيّرة وقد منعت الدول الغربية المصنّعة بيع هذه الطائرات؟!

واضح أنَّ هناك مدخلين لحصول الدول على الأسلحة والتقنيات المحظور عليها استيرادها، الأول: الشراء، وهو المدخل الأسهل، فهناك سوق سوداء رائجة وخصوصًا في منطقة قلب العالم القديم، يجري فيها بيع الأسلحة من طلقات الرصاص وبنادق الكلاشينكوف، وصولاً إلى اليورانيوم، وما بينهما من صواريخ وآليات وعتاد وتكنلولوجيات حربية، وهذه السوق قدرتها الأمم المتحدة بنحو مليار دولار في الفترة من 2001 وحتى 2012، أخذاً في الاعتبار أنَّ الصفقات تتم في نطاقات ضيقة، وبحسب المتوفر، وليس بالعلن وفي وضح النهار وحتى تهدر آلات التصنيع عند إتمام الصفقات. وهناك دول لا يهمها الإجماع العالمي فهي تسعى وراء مصالحها الخاصة من بيع هذه الأسلحة سرّاً وعلانية، وإلى جانبها تأتي العصابات المنظمة التي تقوم بالعمل نفسه.

السبيل الأصعب ليس شراء الأسلحة، وإنما معرفة أسرارها والقيام بتصنيعها. هذا التصنيع قد يبدو بدائياً ذات يوم نظراً لفارق الخبرة والإمكانيات البحثية، ولكن التجارب تقول إنَّ الحافز لدى الدول المضغوب عليها أعلى بكثير من دوافع وحوافز الدول التي تنشَّأ في الحِلية، وهذا ما يجعلها تختصر المسافات، وتغذ السير لتضييق الفوارق وردم الهوّة.

قد يحتجّ البعض بأن ما يجري تصنيعه محلياً لن يصل إلى ما يُشتري من السلاح المتطور، وهذا صحيح في شكله الأولي، والحديث ليس عن السلاح ولكنها المفارقة بين المشتري والصانع، إذ إن هذا الأخير وإن لم يقارع المصنّعين القدامى في يومه الأول، إلا أنه سيكون قد وضع أقدامه على أولى عتبات التمكن، وهو الأمر الذي يظل المشتري بعيداً عنه تماماً. الصانع يُمكنه أن يقيم صناعة وخطوط إنتاج، ويشغل أعداداً من الشباب، ويحفز البحث العلمي، ويوجه التعليم إلى ما ينفع الصناعات ويطورها ويقترح نوعية الخريجين بعد عقد من الزمان، وتستتبع ذلك، وتتواكب معه، متغيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية، ليست هي ذاتها التي تحدث في مجتمعات الشراء وحسب.