أفيقوا يا عرب.. وافهموا يا مسلمين

د. أحمد بن علي العمري

بداية يجب أن نعرف جميعاً أنَّ مذهبنا جميعا هو لا إله إلا الله محمد رسول الله، وهو مذهب سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم جميعًا، فلا فرق بين سني وشيعي وإباضي، فكلنا مسلمون مذهبنا هو مذهب الإسلام الخالد، بلا تطرف ولا غلو، فلا غلو في الدين، كما أوصَّانا نبينا عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

ففي أوروبا 27 دولة، بعد انسحاب بريطانيا من التجمع الأوروبي، يختلفون بين البروستانت والكاثوليك، والخلاف بينهم أشد وأعمق، كما أنهم يتكلمون لغات مختلفة ومتباعدة، ولكنهم اتفقوا على تشكيل الاتحاد الأوروبي ورفعوا راية واحدة تجمعهم، وتعاملوا بعملة واحدة، وهي اليورو، كما أنهم شكلوا حلف "النيتو" للدفاع المشترك بينهم.

ونحن أمة العرب والإسلام، نؤمن بدين واحد، ولغتنا تكاد تكون واحدة، وهي لغة القرآن، اللغة العربية، والتي هي لغة أهل الجنَّة، فلماذا يتفقون ونختلف؟ ولماذا يتحدون ونفترق؟ ولماذا يتعاونون ونبتعد؟ ولماذا يتجمعون ونتشرذم؟ ولماذا يتميَّزون علينا، وكيف نسمح لهم بهذا التميُّز؟ على الرغم من أن ما بيننا يجمعنا وما بينهم يُفرقهم؟

فنحن في البلاد العربية والإسلامية، لا نريد أن نقول: لا للولايات المتحدة الأمريكية، وربما لا نجرؤ على ذلك، لكن يمكننا أن نقول: لا للملك ترامب. وهناك أمر غريب، لم نكن نسمع به من قبل في الولايات المتحدة الأمريكية وهو إشادة الوزراء بالرئيس، وإنما يتكلمون فيما يخص المحتوى، أما الآن فالوزراء وأعضاء البرلمان وأعضاء مجلس الشيوخ يشيدون بالرئيس في سابقة لم تحدث من قبل، فهل نصَّب ترامب نفسه إمبراطوراً؟

المهم إذا استطعنا أن نقول لا لفخامة الرئيس ترامب، فلنتسلل إلى المعسكر الشرقي بكل هدوء، وسنجد الصين تفتح أذرعها للترحاب بنا، وستقدم كل العون والمساعدة، لوجستياً وعسكرياً إذا لزم الأمر، وسوف تستقبل منَّا النفط والغاز بأعلى الأثمان، وإذا استمر في داخلنا الهوى الأوروبي والحنين إليه أو حتى التلقائية العفوية، فسنجد الشيخ بوتين يفتح ذراعيه مُرحبًا، نظراً لتوتر العلاقات بين روسيا وأوروبا بسبب دعمها أوكرانيا علنًا وكذلك مع أمريكا لذات السبب.

لقد أثبتت لنا الأيام أن من يقول لا لأمريكا تحترمه، كما هو حاصل مع كوريا الشمالية التي زارها الرئيس الأمريكي ترامب نفسه في فترته الأولى، مستجدياً تعاونها والاتفاق معها، ولكن رئيسها وزعيمها قال لا وألف لا، فرجع منها بخفي حنين. ولكن من يقول نعم، تذله أمريكا وتبقى تذله ما وجدت إلى ذلك سبيلا.

ما الذي دفع أمريكا لتتفاوض مع "أنصار الله" وهي دولة عظمى، وهم مجرد "ميليشيا" على حد زعم أمريكا؟ والجواب أن أمريكا وجدت في "أنصار الله" الصلابة والقوة والمنعة، وما الذي جعلها تضغط على إسرائيل للاتفاق مع حماس غير القوة والجَّلد، وماذا أنجزت الدولة الفلسطينية المُسالمة في رام الله بعد مدريد وأوسلو غير السيطرة عليها من قبل إسرائيل والفتك بها ليلا ونهارا، وهنا أتذكر موقف الفدائي والمناضل التاريخي ياسر عرفات -رحمة الله عليه- الذي أخرج أحمد ياسين من المعتقل، وأجبر إسرائيل على معالجة خالد مشعل، فقد كان قائدا ورئيسا لكل الفلسطينيين بكل توجهاتهم ومشاربهم، لقد كان يدفع المناضلين في غزة والضفة للقيام بالأعمال الفدائية، وعندما تنفذ كان أول من يشجب ويستنكر، هؤلاء هم القادة الدهاة العباقرة الذين يمرّون كالظواهر لا يتكرر أمثالهم.

ألم تتراجع إسرائيل ومعها أمريكا، عندما وجدتا أن إيران جدارٌ صلب، وسدٌّ منيع، وجسرٌ يصعب عبوره، وخصمٌ عنيدٌ شرس؟ فلماذا لا نتعلم من العبر والعظات ولماذا لا نسمي الأمور بمسمياتها؟ ولماذا لا نقرأ الحقائق؟ ولماذا لا ننظر للأمور بواقعية ودون تأثير المخدر الأمريكي الإسرائيلي الحديث؟

فلو أفقنا من غفوتنا -التي يظهر أنها طالت أكثر من اللازم- لوجدنا أن لدينا الاقتصاد والمال والعلماء والمفكرين في العالم العربي والإسلامي، وحدث ولا حرج.

فلماذا لا يتكامل هذا مع ذاك، ونوصل الخيوط المنقطعة، ونشدّ على أيدي بعضنا، ونتعاضد ونتعاون؟ فساعتها سيحترمنا كلُّ العالم مُجبرًا، وسيكون لنا شأنُنا وعزُّنا، ونستعيد مجدَنا.

ثم إن العالم صار ينظر إلى الأمور بواقعية مطلقة، وكأنه يقول: "مثل ما تزن نفسك تُوزَن، وأينما تضع نفسك يضعك الآخرون." والشواهد على هذا كثيرة، ولنبدأها بـ"أنصار الله" في اليمن الذين تمسكوا بمبدئهم، مما جعل أمريكا بعظمتها تتفق معهم، وربما بريطانيا العظمى تتلوها.

"حماس"، والكثير من محللينا وخبرائنا ومنتقدينا يتحاملون على حماس…
ولكن، ماذا كان الخيار أمامهم بعد محاصرتهم في نطاق جغرافي ضيّق لمدة 17 عامًا؟ فقرروا: إمّا العيش بكرامة، وإمّا الموت شهادة،
ولكن بعد أن نظر الغزّاويون لما حلّ بإخوتهم في الضفة الغربية، وبعد عربدة المستوطنين دون رقيب أو حسيب، أصبح كل غزّاوي "حماسيًّا".

"حزب الله" وبعد الاتفاق على وقف الحرب مع إسرائيل، وبعد أن قال كل المحللين: "يجب أن تكون السيادة للدولة المنتخبة، والسلاح لها"،
فماذا حصل؟ ألم تزل إسرائيل تضرب في لبنان طولًا وعرضًا دون أن تتحرك طائرة أو مضاد جوي للدفاع عن لبنان؟ وما زالت إسرائيل تحتل وتسيطر على عدة تلال مهمّة في الجنوب اللبناني حتى اليوم، وكذلك في سوريا، للأسف.

سوريا: الرئيس الشرع، بعدما حمل الرشاش والمدفع وهو في جبهة المعارضة، تصرف بعقلانية بعدما وصل إلى الرئاسة، للملمة شؤون بلاده وإعادة بنائها؟ "ربنا يوفقه"، وربما سينظر آخرون ممن يتزعمون المقاومة بذات العين لو وصلوا إلى ما وصل إليه.

العراق: بعد أن كانت خامس أقوى دولة عسكرية ماذا حلّ بها بعد ضربها وتدميرها من قبل الأمريكيين؟ وذلك حين جعل بريمر يحلّ الجيش العراقي، وهو أقدم جيش في تاريخ الأمة العربية.

إيران: لو شعرت إسرائيل أو أمريكا أنها انتصرت، فهل كانت ستوقف الحرب؟ لا، بل كانوا سيستمرون في قصفها وتدميرها كما فعلوا في غزة،
ولكنهم عندما وجدوا الصلابة والقوة، توقفوا.

باكستان: عندما دخلت في الحرب الخاطفة مع الهند، لو وجدت فيها الهند الضعف والاستكانة، فهل كانت لتوقف حربها؟ أبدًا. علمًا أن باكستان تتقدّم على الهند في التصنيف العالمي النووي.

تركيا: التي تحولت إلى الرقم 9 في الاقتصاد العالمي، لماذا يتحايل الاتحاد الأوروبي في عدم انضمامها إليه؟ أليس ذلك بسبب خوفهم من هيمنتها عليهم، وقوة تأثيرها في نطاقهم؟

أرجو ألا يفهم البعض غير ما أقصده، كل ما في الأمر أني أنظر إلى الأمور من زاوية محايدة، وبذات المسافة المجرَّدة، بلا زيادة ولا نقصان. ولهذا أقول: اعقلوا يا عرب… وافهموا يا مسلمين.. تكاملوا، وتعاونوا، واتحدوا، وتظافروا؛ فلديكم كل الإمكانيات، وعندكم جميع المقدرات.. اصنعوا سلاحكم، وغذاءكم، ودواءكم، وعودوا إلى دينكم؛ فلا نُصرةَ لكم من غيره، ولكن دين الله التسامح، والتعايش، والسلام، والمودّة، والرحمة.

حفظ الله بلادنا، وبلاد العرب، والمسلمين جميعًا، ووفق قادتنا لما فيه الخير والصلاح.

الأكثر قراءة