جودة البرامج التعليمية في مؤسسات التعليم العالي الخاصة

د. علي بن حمدان بن محمد البلوشي**

في ظل التنافس المتزايد بين مؤسسات التعليم العالي الخاصة في السلطنة، تبرز ملامح واضحة لحِراك تعليمي يعكس حرص هذه المؤسسات على استقطاب الطلبة من مختلف الفئات، من خلال تقديم حوافز متنوعة تشمل تخفيضات في الرسوم الدراسية وتسهيلات في مدة البرامج الأكاديمية. إلا أن هذا التنافس لا يقاس فقط بالجوانب التسويقية، بل ينبغي أن يترجم إلى التزام حقيقي برفع جودة البرامج التعليمية، والتي تعد الركيزة الأساسية لأي نظام تعليمي ناجح.

إن مد مظلة التعليم العالي لتشمل مختلف التخصصات العلمية والمهنية يعد من الأولويات الوطنية، لما له من دور محوري في تلبية احتياجات سوق العمل، وتوفير فرص تعليمية عادلة لجميع شرائح المجتمع. غير أن هذا الاتساع في البرامج والتخصصات يجب أن يكون مصحوبا بجودة حقيقية في المحتوى الأكاديمي والمناهج الدراسية، والتي يجب أن تتسم بالحداثة، والارتباط الواقعي بمتطلبات المهن والتخصصات، مع التركيز على تنمية مهارات التفكير النقدي والتحليل والابتكار لدى الطلبة.

ومن العناصر الجوهرية في ضمان جودة البرامج التعليمية، تَوفر الكفاءات الأكاديمية المؤهلة، من أعضاء هيئة تدريس يمتلكون خبرات تعليمية وبحثية قادرة على إحداث الأثر المنشود في بيئة التعلم. فالأستاذ الجامعي لا يعد مجرد ناقل للمعرفة، بل هو شريك أساسي في بناء شخصية الطالب وتوجيهه نحو التميز الأكاديمي والمهني.

كما يمثل التقييم الصحيح والدقيق لمستويات الطلبة خلال الفصل الدراسي جزءا لا يتجزأ من ضمان الجودة. ويجب أن تستند أدوات التقييم إلى معايير موضوعية متنوعة، تشمل التقييمات المستمرة، والاختبارات، والمشاريع، والعروض التقديمية، مع مراعاة الفروق الفردية بين الطلبة وتشجيعهم على التفكير المستقل والعمل الجماعي.

وفي هذا الإطار، تلعب الهيئة العمانية للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم دورا أساسيًا في متابعة أداء مؤسسات التعليم العالي الخاصة، من خلال عمليات الاعتماد المؤسسي والبرامجي، وضمان التزامها بالمعايير الوطنية والدولية. كما تسهم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في رسم السياسات العامة ومتابعة تنفيذها، بما يضمن توجيه التعليم العالي نحو تحقيق التنمية المستدامة وبناء اقتصاد معرفي قائم على الابتكار.
وفي خضم هذا المشهد المتغير، تستمر مؤسسات التعليم العالي الخاصة في السلطنة في السعي إلى إثبات جدارتها في تقديم تعليم عالي الجودة، مدعومة بالمنافسة الصحية والحوافز المشجعة. إلا أن الرهان الحقيقي يبقى على التزام هذه المؤسسات بتطوير برامجها الأكاديمية، وتعزيز كفاءة كوادرها، وتحقيق العدالة في تقييم الطلبة، بما يُفضي في نهاية المطاف إلى مخرجات تعليمية تسهم بفاعلية في نهضة الوطن وتقدمه.

** أستاذ مساعد بالكلية الحديثة للتجارة والعلوم

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة