"المسيَّرات": نهاية أنسنة الحروب

غسان الشهابي

نَشَر أحد المواقع الإخبارية مَوَازين القوى ما بين المملكة العربية السعودية وإيران، ومن ضمنها: المشاة، والقطع البحرية، والغواصات، والطائرات القتالية، والعمودية، والمدفعية، والصواريخ، والآليات الثقيلة كالدبابات، طارحاً التساؤل: لمن يميل ميزان القوة العسكرية بين البلدين؟ لكن هذا الموقع أغفل سلاحاً مهمًّا وهو: الطائرات بدون طيّار، أو الطائرات المسيَّرة، كما تعرف حديثاً لأنه من الواضح أنها في الآونة الأخيرة خلعت برقع الحياء العسكري، وصارت من ضمن الأسلحة الفتاكة.

قبل سنوات قليلة فقط، عرفنا "الدرون"، الذي صار يستخدم -بشكل مقيَّد في أكثر الدول العربية- في التصوير الجوي؛ وذلك عِوَضاً عن استئجار طائرة هليوكوبتر من وزارات الداخلية كما في السابق، وهذا الاختراع قد تم "إلقاؤه" إلى الاستعمال المدني بعد أن كان يستخدم في أغراض التجسس، ثم تم تطويره إلى الهجوم، وهو الذي حدث مراراً في تعقب أعداء الولايات المتحدة في أفغانستان واليمن، وضَرْب أهداف بشرية أو مناطق جغرافية بعينها. ولكن هذا السلاح المساند اليوم قادر على تغيير اللعبة العسكرية؛ وذلك بعد أن أثبت جدواه في تخطي الدفاعات الجوية الاعتيادية، والوصول إلى أعماق الأراضي وتنفيذ مهمات محددة ودقيقة، وآخرها -إلى الآن- الهجوم على مصافي النفط السعودية، وهو أمر أكثر من خطير، لأنه سيضاف إلى قائمة الأسلحة البعيدة التي على الدول الحذر منها، فلا مأمن لأي دولة من هذه المنظومة الجديدة.

مُنذ أن اخترع الإنسان البندقية، فإنَّ عصرَ الشجاعة قد انتهى بانتهاء مسافة الصفر بين العدوّين، فلم تعد الدروع التي يرتديها الفارس، ولا اسمه، ولا غلظ شواربه أو تقطيب حواجبه، ولا حجمه أو مدى انتفاخ عذلاته يعني شيئاً أمام رصاصة رخيصة قد يطلقها أجبن مقاتل في كبد أكثرهم شجاعة وبأساً. اليوم حتى هذه المسافة البعيدة التي عرفتها البشرية منذ الحرب العالمية الأولى، في طريقها إلى الانقراض فالمقاتلون ليسوا بالضرورة يكونون على أرض المعركة، والطيارون لم يعودوا يحلّقون في الجو، بل في محطاتهم الأرضية يسيّرون "ألعاباً" أكثر فتكاً ودقة من أي سلاح عرفناه، والصواريخ تطلق من الفضاء أو من حاملات طائرات في عرض المحيطات، وهذا جانب خطير جدًّا من جانبه الإنساني؛ إذ إنَّ بعضاً مما يلجم آلهة الحرب العطشى للدماء والأشلاء، عيش الطرفين ويلات هذه الحروب على البشر، فالرأفة قادرة على قول: كفى!

فكلما ابتعدت المسافة بين المتقاتلين، اضمحلَّت الفروسية في الحروب، وأصبحت ليست أكثر من لعبة بلاي ستيشن!