هموم الشرق

◄ كل بلد يتميز بالجروبات التي تشاطر إعلامه الرسمي مواقفها من القضايا المثارة، لا يشذّ عنها إلا هالك

غسان الشهابي

لطالما استوقفتني العبارة الأثيرة التي تُشير إلى تشابهنا نحن أمة العرب بالتحديد، وهي العبارة القائلة: "كلنا في الهمّ شرقُ"، فلماذا ما يجمعنا هو "الهم" وليس أي شيء آخر، لماذا ليس الذكاء، أو الفرح، أو النَّخوة، ولا أي أمر آخر سوى الهم؟! بطبيعة الحال هناك الكثير من القواسم المشتركة، ولكننا- ربما لفرط إدماننا على جلد الذات- لم نجد غير هذه المُفردة التي تلخص الكثير من مشتركاتنا.

فمن بين هذه القواسم تأتي المجموعات على وسيلة التراسل الاجتماعي المعروفة "واتساب"، والمعروفة على امتداد "همّ" الوطن العربي بـ"الجروب" Group وذلك لما بينها من تقارب وتفارق بحسب الأجواء السياسية السائدة في كل بلد. ولأنني متورط في جملة من هذه "الجروبات" على مستوى المنطقة، فإنِّها على قدر ما تسبب إزعاجاً في الكثير من الأحيان بحملة "المعلبات" التي يهيلها الكثيرون على بعضهم البعض، إلا أن تتبع المزاج العام لهذه الجروبات بشأن القضايا المختلفة أمر يحتاج إلى بعض التأمّل حقاً.

فمن الخلاف الخليجي إلى حرب اليمن إلى الوحدة الوطنية إلى الموقف من التطبيع مع العدو الصهيوني وغيرها الكثير من القضايا الجوهرية والهامشية، نجد أنَّ كل بلد يتميز بالجروبات التي تشاطر إعلامه الرسمي مواقفها من القضايا المثارة، لا يشذّ عنها إلا هالك. وأعضاء هذه الجروبات يتسابقون في تدعيم الرأي الذي يجمعون عليه مع خطهم الرسمي، فالنَّاس على دين إعلامهم بشكل عام، ولكنني أبحث، وأجدّ في البحث عن تلوين على اللون الواحد، فلا أجد، ربما أرجع العيب إلى "مجموعاتي"، مع أنها لا تخلو من المُثقفين ولا المُتابعين ولا أصحاب الرأي، فلماذا- إذن- كل هذه المساوقة التامة مع الرأي الرسمي كلٌّ في بلده؟! أيعقل ألا يوجد في هذه البلدان من له رأي آخر غير ما تتفوه به السلطات؟!

لا يحتاج الأمر إلى كثير عناء ولا تفكير، فالقول الأقرب يتلخص في ضيق هوامش الحريات التي لا يودّ الكثيرون معها إلقاء أنفسهم إلى التهلكة، أو المجازفة بأمنهم الشخصي، في ظل الكثير من الشهادات والقراءات العامة للمشهد العربي، وأيضاً الدراسات التي تتقاطر إلى نقطة واحدة مركزية مفادها أنَّ الأنظمة العربية، التي هزّتها رياح الربيع العربي، أو تلك التي كانت بعيدة بشكل أو بآخر عن تأثيراتها، قد فهمت الدرس جيداً واستوعبته، فما عادت لتسمح بهذه المساحات من حُرية التعبير، وما عاد للنقد والمُراجعة الحقيقية من مكان، وحتى الدعوات للتوقف قليلاً، أو التريث لمُراجعة ما يجري غير مُرحّب بها، ولا يمكن إلقاء الكثيرمن اللائمة على الناس، اعتيادييهم ومثقفيهم، فالأحمال ثقيلة، والدروس التي تلقاها عدد لا بأس به منهم كفيلة بأن تجعلهم يفكرون مراراً في إعادة التجربة، والسعيد من اتعظ بغيره!