دورينا.. بين ثعلب "الطاق"، وعنب المزرعة!!

المعتصم البوسعيدي


تتنافس دوريات العالم لتسويق نفسها، والإعلان عن موسِمها بطرقٍ مُختلفة وتخوض الأندية معركة البدايات بعد عملٌ مُضنٍ من التعاقُداتِ والإعدادِ الجيد؛ لتتمكن من كسبِ قصبة السبق في سباقٍ من المُهمِ "التكتيك" له على مدى جميع المراحل، وتبقى النتائج مرهونة على مرونةِ التعامل مع كل الثوابت والمُتغيرات تحت مظلة تنظيم مُحكم يُعطي مؤشرات نجاحه قبل البداية بوضوح وشفافية.

 

اليوم.. تُصنع الدوريات وتسوق كمنتج يُضخم شأنه إعلامياً، ويُعلَّب بشكل فاخر ــ حتى لو لم يكن كذلك ــ وتُستقطب من أجلهِ الرعاية، وتُشحذُ إليه الجماهير، وتستعد له الأندية خير استعداد، حتى إذا ما نجح تطورت اللعبة في الوطن وحصدت الرياضة زرعها النضيد، وتصدرت المنتخبات مشاهد التتويج على كافةِ الأصعدة، وهذه المثالية لن تتأتى ونحن نمارس دورينا على إيقاع لُعبةً شعبيةً قديمة ننتظر فيها الحظ ليلعب لعبته، ويدور الثعلب "ليفوت" بمكرٍ ودهاء إلى مكانٍ في الأصلِ ليس مكانه؛ حيث الاعتماد على تغافل وثقل الآخر، وسرعته انتهاز الفرصة التي تنقسم نجاحها بينه وبين من أسقط "طاقيته" خلف ظهره، والويل ثم الويل إن لم يحسن اختيار خصمه!!.

ندخل في هذه الأيام مرحلة الترقب للموسمِ الكروي، الذي لا يحمل الجديد على ما يبدو؛ ففي حين دبت الحياة في دوريات العالم وأعلنت دور الجوار عن موسمها بحفلات فاخرة، مرَّ إعلان تجديد رعاية الشركة الراعية لدورينا مرور الكرام دون أرقام يسيل لها اللعاب، ونسجت الأندية خيوط الإعداد بتفاوت كبير بين الجيد الواضح للبعض القليل وبين الصمت الغامض للبعض الكثير الذي لا يؤتمن ذهب كلامهم حين يستوجب النطق.

وعنما كانت البراءة تنضح من طفولتنا ونحن نلعب "الطاق طاق طاقية" كان الأمر يبدو مسلياً ونقي حتى مع احتدام التنافس الذي قد يتطور للتشابك، وما إن كبرنا سمعنا عن "خبث" هذه اللعبة وأصولها اليهودية وتأثيرها السلبي على العقول الندية ومعانيها "البشعة"، إلا أنه وبعيداً عن فلسفة هذا الأمر ومدى صحته من عدمه، يبدو دورينا يكبر ــ كذلك ــ على خسارة براءته، ويتحول إلى ثعلبٍ يدور في حلقة فارغة لا جديد فيها؛ حيث طعم الموت شبيه بطعم الحياة، يلف في دائرةٍ روتينية باحثاً عن مكانةً ــ أعتقد حتى إن وجدها ــ لن تغنيه ولن تسمنه من جوع؛ فالثعلب هذا هو ذاته الثعلب الذي دخل في القصة الشهيرة إلى المزرعةِ من ثغرةٍ ضيقة، فيلتهم العنب شبعاً حتى انتفخ بطنه، ولم تعد تتسع الثغرة لخروجه فأضطر للركض داخل المزرعة ليضمر بطنه المنتفخ، فجاعَ وصار بين الجوع والخروج وبين الشبع والهلاك، فأختار الأولى على الثانية!!.

من المُحزنِ الحديث بهذه السوداوية عن دورينا الذي لم يبدأ بعد، لكن بيع الأمل الواهم ليس ذا جدوى في زمنٍ بات الإعلام مفتوح الفضاءات ولا مجال للتسويف، والحلول متوفرة ومعلومة وهي بحاجة لقرار جريء وفهم واسع من أعلى سلطة؛ فالدوري مُنتجٌ اقتصادي ومورد مالي؛ وتطويره هو تطوير لمنظومة اللعبة بالكامل من النادي ووصولاً للمنتخبات الوطنية، علاوة على تنشيط السياحة الرياضية ونحن في بلدٍ غني بالجغرافيا المساعدة على ذلك، لكننا حتى الآن "نرفس النعمة" والعياذ بالله!!