بشارات النصر

 

 

محمد رامس الرواس

تعتمد سياسات الحروب في العالم أساسًا على التخطيط الصحيح والرؤية الاستراتيجية الواضحة للوصول إلى أهدافها، التي عادة ما تكون مرسومة بأذهان قادة الحرب، وموضوعة بشكل يتناسب مع ما قد يحدث على أرض المعركة، وبغير ذلك لن يتحقق أي نصر.

وما حدث لقادة مجلس الحرب الإسرائيلي أنهم لم تكن لديهم هذه الأساسيات المُهمة من سياسات الحروب؛ إذ باغتتهم المقاومة بشكل قوي ومفاجئ منذ الضربة الأولى التي تلقاها جيش الاحتلال الإسرائيلي صباح السابع من أكتوبر 2023، افقدتهم توازنهم، وجعلتهم يقومون برد فعل طائش اعتمدوا فيه على استخدام سياسة الأرض المحروقة لفترة من الزمن، قبل الاجتياح البري، بجانب استمرار القصف الجوي، وارتكاب المجازر اليومية في أوساط المدنيين العزل، لتحقيق جريمة الإبادة الجماعية مكتملة الأركان. ولم يكن أن يتحقق لهم ذلك لولا علمهم بعدم تعرضهم لأي ردع دولي لما يقومون به، وأنه لن يتحرك ساكنًا بالعالم لصدهم.

لكن بعد ستة أشهر من الجرائم الوحشية لجيش الاحتلال، ظهرت 3 أسباب لم يكن يتوقعها جيش الاحتلال ولا مجلس الحرب، 3 أسباب تقوده إلى الرضوخ والجلوس على طاولة التفاوض وتبشر بنصر قريب:

أولًا: امتداد فترة الحرب التي لم يكن يُحسب لها حساب؛ حيث إن جيش الاحتلال لم يعتاد على مثل هذه الحروب الطويلة، مما أنهك جيش الاحتلال وأوجع جنوده وقادته واقتصاده وسمعته التي أصبحت في الحضيض، جراء ما اقترفه من جرائم إنسانية يُندى لها الجبين، بينما المقاومة حافظت علي نفس توازنها منذ 6 أشهر برغم ما أصابها، وباتت تستعيد الأرض بسرعة من جيش الاحتلال تحت ضغط كبير من المقاومة؛ مما جعل جيش الاحتلال ينسحب من مناطق عدة في قطاع غزة، ولم يعد يتواجد حاليًا إلّا بلواء واحد، بينما فاتورة خسائره أصبحت الأرقام فيها مهولة.

ثانيًا: ظهور تداعيات وأزمات تزداد يومًا بعد يوم، مثل: فشل التعاطي مع ملف الأسرى الإسرائيليين، أضف إلى ذلك فقدان إسرائيل للكثير من تعاطف المجتمع الدولي معها؛ بل وانعكس الوضع عليها سلبًا، ووجد مجلس الحرب نفسه بلا أهداف مُحققة، وعلى الطرف الآخر باتت إسرائيل مطلوبة في محكمة العدل الدولية، كما إن هيئة الأمم المتحدة تؤكد رفضها لاحتلال القطاع وتطالب الجيش الإسرائيلي بوقف الحرب والانسحاب، إضافة إلى تحرك بعض حركات المقاومة بالعراق واليمن ولبنان، حتى أصبحت مصالح إسرائيل وحلفائها تحت التهديد الدائم.

ثالثًا: الضغوط الدولية والمظاهرات والاحتجاجات التي تشهدها العديد من دول العالم، بينما الحليف الرئيسي: الولايات المتحدة الأمريكية، أصبح بدوره خائفًا مما يقوم به مجلس الحرب الإسرائيلي من سياسة رعناء مشفوعة بكميات كبيرة من الأكاذيب والأوهام التي لا يُمكن تحقيقها ومنها القضاء على حركة "حماس"، ولم تعد السردية الإسرائيلية مُستساغة لدى الداخل الإسرائيلي أو لدى حلفائها والمجتمع الدولي، ومما زاد الطين بلة الإخفاق الميداني لجيش الاحتلال الصهيوني من خلال ما حدث مؤخرًا من استهداف موظفي "المطبخ الدولي" ومجازر المستشفيات وعلى رأسها مأساة مستشفى الشفاء، وغيرها من الاعتداءات غير المحسوبة، التي جعلت الجيش الإسرائيلي يُمنى بإخفاق عسكري هائل.

ختامًا.. لقد كسبت المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب عز الدين القسام الذراع العسكري لحركة حماس، الرأي العام العالمي، من خلال ذكاء قادتها وقراءتهم العبقرية للعقلية الإسرائيلية؛ مما جعلهم أصحاب اليد الطولى في إدارة المعركة على الأرض، هذا بجانب تمكنها من الاحتفاظ بجميع الأسرى إلى هذه اللحظات التي تجري فيها المفاوضات لوقف الحرب وتبادل الأسرى.