محمد بن حمد البادي **
الزكاة فريضة من فرائض الإسلام؛ وهي الركن الثالث من الأركان التي يقوم عليها هذا الدين الحنيف، وقد دلَّ على وجوبها القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع، وهي- إضافةً إلى تحقيقها المعنى التعبدي الذي شرعت من أجله- ذات آثار اجتماعية واقتصادية على المجتمع المسلم، علاوة على آثارها الأخلاقية في نفس مؤديها ومتلقيها.
ولا يخفى على أي فردٍ يعيش في مجتمع ينعم بتطبيق الزكاة بالشكل الصحيح الآثار الإيجابية الناتجة عنها، فالزكاة تزكيةً للنفوس بما تغرس فيها من خصال الخير كحب الإيثار والرحمة والعطف؛ وتطهرها من الشح وحب الاستئثار، وذلك هو المعنى من قوله تعالى: "خُذ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا"، وبهذا يتماسك المجتمع المسلم متحدًا في المشاعر والأحاسيس والآمال والآلام، والمبادئ والغايات، ويصدق على مثل هذا المجتمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".
والآثار الإيجابية للزكاة لا يستأثر بها مؤديها فقط دون غيره؛ بل تتعداه إلى متلقيها؛ فلا يخفى على ذي لبٍ أنّ من شأن الإحسان أن يكون ذا أثر على نفس المحسن إليه، إذ أنّ النفوس عامةً مجبولة على حب من أحسن إليها، فإذا دفع الغني زكاته إلى المحتاج زال ما في نفس ذلك المحتاج من السخيمة والحقد الناتجين عن شعوره بالحرمان والنقص، فتتآلف القلوب وترتبط النفوس بعضها ببعض، وتتحقق الوحدة- التي هي مطلب أساسي من مطالب الإسلام- بين أفراد هذه الأمة؛ فقرائها وأغنيائها وأقويائها وضعفائها.
إن معطي الزكاة ينوي بزكاته التقرب لله وحده؛ حمدًا وشكرًا له على ما تفضل عليه من نعمة الغنى، ثم امتثل عن طيب نفس- راغبًا في الأجر والثواب- لأوامر رب العباد بإخراج هذا الجزء اليسير من ماله الذي منّ عليه به بنية صادقة لتزكية نفسه وتطهيرها من آثار الشح، وبنية الرحمة بالفقراء والمساكين. وأما الآخذ فيأخذها ليسد بها حاجته، ويعف بها نفسه، حتى لا يأخذ شيئًا من أموال الناس.
وتأكيدًا لجهود سلطنة عُمان في سبيل تجويد العمل الزكوي؛ والذي يتمثل في جمع وحفظ أموال الزكاة وتسليمها لمستحقيها، فإن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية قامت بإنشاء إدارة الزكاة بالوزارة، والتي بدورها قامت بإنشاء لجان للزكاة على مستوى السلطنة ووضعت لائحة تنظيمية داخلية لتنظيم العمل فيها. كما إن إدارة الزكاة بالوزارة- توافقًا مع توجه السلطنة في إرساء عمل الحكومة الإلكترونية- قامت باستحداث نظام الكتروني بهدف تنظيم عمل لجان الزكاة المنتشرة في معظم ولايات ونيابات السلطنة؛ ليسهل على هذه اللجان تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها.
ولعل من أبرز أهداف لجان الزكاة نشر الوعي بفريضة الزكاة وأهميتها وبيان أثرها على الفرد والمجتمع، وأيضًا نشر الوعي بالخدمات التي يقدمها صندوق الزكاة للمزكي ومستحق الزكاة.
ومن أهدافها أيضًا جباية الزكاة حسب الأنصبة والمقادير المحددة شرعا، أضف إلى ذلك الالتزام التام بالضوابط الشرعية في توزيع الزكاة وتوعية أفراد المجتمع بذلك، وأيضًا العمل على تحسين وتطوير الأداء الإداري الذي يسهل على المزكي دفع زكاته ويبسط اجراءات تسليم الزكاة لمستحقيها، وأخيرًا العمل على زيادة إيرادات صندوق الزكاة لتمكينه من توسيع خدماته.
ومما لا شك فيه أنّ الأسس والضوابط والقواعد التي وضعتها إدارة الزكاة لتنظيم العمل الزكوي سهل على لجان الزكاة المنتشرة في ولايات ونيابات السلطنة القيام بدورها المنوط بها، والذي يتمثل في جمع موارد للزكاة من أبناء المجتمع ومن ثم توزيعها على مستحقيها كل حسب حاجته، فمنهم من يحتاج- على سبيل المثال وليس الحصر- مساعدة لتوفير المؤونة الغذائية له ولأفراد أسرته، ومنهم من يحتاج مساعدة لدفع الديون المتعثرة عليه بسبب أقساط بناء منزل وأقساط السيارة وفواتير الماء والكهرباء وإيجار المنزل؛ وهناك من يحتاج مساعدة لترميم أو بناء مسكن، ومنهم من يحتاج مساعدة من أجل دفع رسوم دراسية لأبنائه، وغيرها من حاجات أبناء المجتمع.
ومن خلال هذا المقال نوجّه الدعوة للجميع- دون استثناء- إلى التعاون بفاعلية مع لجان الزكاة، كلٌ حسب نطاقه الجغرافي، ليسهل تحقيق أهدافها سالفة الذكر، كما ندعو بشكل ملحٍ مؤسسات الدولة باختلاف مسمياتها وتخصصاتها وأنشطتها ومواقعها للقيام بدورها الريادي في مد جسور التواصل الدائم والتفاعل المستمر بين لجان الزكاة وأفراد المجتمع، والإسهام في تأهيل بعض مستحقي الزكاة لتحويلهم من مستهلكين إلى منتجين، والعمل الجاد على رفع كفاءة الإنفاق الزكوي والخيري من أجل تعظيم القيمة المضافة في المجتمع وفق الضوابط الشرعية؛ وذلك لتعزيز الآثار الإيجابية للزكاة في المجتمع.
** عضو لجنة الزكاة بولاية صحم