حمود بن علي الطوقي
بالأمس احتفلت وزارة الخدمة المدنية بتخريج نحو ٥٠ من موظفي الإدارات العليا بمختلف الأجهزة الحكوميّة والقطاع الخاص، ويعتبر هذا التخريج الدفعة الثالثة حيث استفاد نحو ١٣٠ موظفا وموظفة من هذا البرنامج الذي أطلق عليه البرنامج الوطني للكفاءات الوطنية، ويشرف على هذا البرنامج الطموح وزارة الخدمة المدنية.
على هامش حفل توزيع الشهادات همس لي سعادة السيّد سالم بن مسلم البوسعيدي وكيل وزارة الخدمة المدنية للتطوير الإداري أنّ الوزارة ماضية قدما في تنفيذ برامج مبتكرة ذات مردود إيجابي، ونتوقع أن تكون مساهمتها كبيرة في تجويد الخدمة الحكوميّة بما يعود بالنفع على قطاع مؤسسات الخدمة المدنية، لهذا ندرس فكرة تأسيس بنك للكفاءات الوطنية يكون بمثابة ملتقى للكفاءات الوطنية.
أعتقد أنّ هذا المقترح مهم خلال هذه المرحلة نظرًا لتعدد وتشعّب الجهات المشرفة على تطوير وتدريب الكفاءات الوطنية، فما يثلج الصدر أنّ هناك اهتماما كبيرا من قبل مختلف الأجهزة الحكومية لتطوير الكوادر الوطنية؛ ولكن هناك حاجة ماسة لتوحيد هذه الجهود لتكون تحت مظلة واحدة وجهة مركزيّة تستطيع أن تقود القاطرة باقتدار، وتضع الأطر المنظمة من حيث التخطيط للبرامج والدورات المستهدفة لتنمية الموارد البشرية الوطنية وتأهيلها وربطها بسوق العمل، فلا بد من وجود جهة محددة مهامها التخطيط السليم لما يحتاجه سوق العمل. رغم وجود جهات مختلفة تشرف على ملف التشغيل والتدريب.
إنّ ديوان البلاط السلطاني يقود حاليًا القاطرة بإشرافه المباشر على معهد تطوير الكفاءات الذي أنشئ عام 2014 بمباركة سامية من حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - للمساهمة في تطوير كفاءات موظفي الديوان على اختلاف مستوياتهم الوظيفية، وخاصة الفئات القيادية والإدارية العليا والوسطى. وانطلاقاً من إيمان المعهد برؤيته ورسالته يعمل على تطوير أطر الكفاءات لمختلف المستويات الوظيفية في الديوان، حيث طوّر المعهد وأطلق العديد من البرامج والأنشطة التطويرية والمبادرات المساندة مع التركيز على الفئات القيادية العليا، وذلك بالتعاون مع العديد من الشركاء الاستراتيجيين من المؤسسات الأكاديمية والاستشارية والتدريبية على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي. وقد اضطلع المعهد بدور وطني أكبر من خلال احتضان برامج وطنية شاملة كالبرنامج الوطني للرؤساء التنفيذيين والبرنامج الوطني للقيادة والتنافسية بمساره الخاص بمديري العموم في القطاع الحكومي الذي أطلق أواخر العام 2017، بما يحقق رؤية المعهد وأهدافه الاستراتيجية وتعزيز دوره في مسيرة التنمية وتحقيق الازدهار في السلطنة. جميل جدًا أن نرى هذا الاهتمام المنقطع النظير، وأستطيع أن أجزم أنّ هذا الحراك الجميل والاهتمام بتنمية الموارد البشرية تنفرد به السلطنة دونا عن بقية الدول. فهذا الاهتمام لا يقتصر على الحكومة حيث إنّ القطاع الخاص أيضا يضع اهتماماته وبرامجه لتطوير الكوادر الوطنيّة في مؤسسات القطاع الخاص، ونتابع الاهتمام في قطاعات النفط والغاز وقطاعات اللوجستي والزراعة والسياحة في جعل التدريب ضمن أولويات المرحلة القادمة.
نحتاج كما ذكرت سابقا أن تتوحد الجهود الخاصة بتنمية الموارد البشرية وتكون هناك منصة واحدة، ويمكن أن تكون فكرة تأسيس بنك للكفاءات الوطنية إحدى أهم مطالب تجويد العمل الإداري المؤسسي في المستقبل. ولتحقيق هذا التوجّه فلابد من تطوير المنظومة التعليمية لتتمكن من أداء دورها في المستقبل بشكل أفضل حسب متطلبات المرحلة القادمة والتي تناطح ما يُسمى بالثورة الصناعية الرابعة.
في هذا المقام استحضر ما قاله حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس حفظه الله موضحا أهمية التعليم: "إننا نولي التعليم جل اهتمامنا ونسعى لتطويره وتحسينه ورفع مستواه وتحديث المعارف وتعميقها وإثرائها وتكييفها مع عالم دائم التغيير انطلاقاً من الأهميّة التي توليها السلطنة لتنمية الموارد البشرية وترسيخ منهج التفكير العلمي وتكوين أجيال متعلمة تشارك في عملية التنمية وتتعامل مع المتغيرات والمستجدات المحلية والعالمية بكل كفاءة واقتدار". من خلال هذا النطق السامي نرى أنّ جلالته حفظه الله رسم خارطة الطريق ووضع الأسس الكفيلة لنجاحه، ما يتطلبه منا أن نترجم هذه التوجيهات السامية إلى واقع فعلي، وهذا ما تقوم به كافة المؤسسات في الوقت الراهن. ما ننشده هو الاستمرار في التدريب، وهذا البند تم استقصاؤه مع بداية الأزمة الاقتصادية، ونرى أنّ التدريب أحد أهم التوجهات لتطوير الكفاءات الوطنية كل حسب تخصصه.