عُمان صوت الحكمة في زمن الحرب


مسعود الحمداني

قدرُ هذه المنطقة أن تقع بين حضارتين: عربية وفارسية، وقدر هاتين الحضارتين ـ رغم انتمائهما للإسلام ـ التصارع الدائم، والتأرجح ـ تاريخيا ـ بين دعوتين جاهليتين يدعو كلاهما إلى تغليب العنصر الذي ينتمي إليه، وإلى سيادة كل عِرق على الآخر، وهو ما تذكيه النعرات المذهبية، والعقائدية، ويستغله البعض في الإبقاء على هاجسيّ الخوف وعدم الثقة قائمين لمصالح سياسية، و(زعاميّة) ليس للدين دخل فيها.
وقدرُنا نحن  في عمانُ كجغرافيا أن نقع في هذه المنطقة المشتعلة، وقدرُنا أن نكون (رمانة الميزان) في سياسةٍ يختلط فيها الحابل بالنابل، وتعلو فيها ضربات طبول الحرب واستعراض القوة بديلا عن صوت العقل الحكمة، نحاول أن لا نميل لا إلى هؤلاء ولا هؤلاء، ولكن لا يتركنا لا هؤلاء ولا هؤلاء في حالنا، فـ"الأقربون" يتوجسون منِّا خيفة حين لا نركب معهم موجة سياساتهم سواء أكانت حقا أو باطلا، وحين لا يفهمون سياسة الحياد والعقلانية التي ننتهجها يبدأون برمينا بالحجارة، ويسلّطون سياط الإعلام البائس علينا كشعب وكدولة، ويعتبروننا في صف إيران لمُجرد أننا نأينا بأنفسنا عن الصراعات، وآثرنا أن نكون العقلاء في غابة من المجانين.
وفي المقابل كثيرا ما نسمع من "الجار على الشط المقابل" وعودا كثيرة باستثمارات عظيمة سوف يتم ضخها في السلطنة فلا نرى منها شيئاً، تماماً كما "يعايرنا" بعض الجهلة بمساعدات ضخمة "منحونا" إياها ذات يوم غير أننا لم نأخذ منها غير الكلام وردح الإعلام!! ورغم كل ذلك فما زالت عمان تلعب دور الحكيم الذي يقرأ المستقبل، ويستشرف الغد، ويضبط النفس دائما، لأنها تدرك أن الحرب ليست لعبة، وأن من يبدأها لا يملك مفاتيح نهايتها، وأن تكلفتها ضخمة للغاية، وتداعياتها لا يمكن التكهن بها، بينما ينسى البعض ـ في خضم الإعلام والغلوّ والاندفاع ـ الحل الأقل تكلفة والأكثر تحضرا وهو "الحوار"، والجلوس على طاولة المفاوضات، ومناقشة كل المسائل العالقة والشائكة بينهم، ومن ثم حلحلتها وحلّها، بعيدا عن تدخل الدول الطامعة في ثروات الخليج، وتلك التي تثير نقع الحرب لكي تتغذى على ما تبقى من مال البقرات الحلوبات، حتى إذا ما جف المرعى، ويبس الضرع تركها الراعي وهجرها، وربما تآمر عليها مع "عدوّها" للإجهاز على ما تبقى منها ومن ثم اقتلاع أنظمة الحكم فيها، فعُرفُ السياسة الواقعية يقول إنه "لا أعداء دائمين ولا أصدقاء دائمين"، فالمصالح تتغيّر، والولاءات تتبدّل، وعدو الأمس قد يصبح صديق اليوم، لذلك من مصلحة الدول المطلة على الخليج جميعها أن تقف أمام مسؤولياتها، وتفهم أنه لا بد من الحوار، وطرح كل المشاكل على طاولة الحوار بروح نقية أكثر، وثقة متبادلة لكي تتمكن من العيش بسلام وأمان دائمين كجيران يجمعهم الدين والمصالح المشتركة والمصير الواحد، وتخّيلوا لو أن المصالح الاقتصادية للدول النفطية الغنية في الخليج اتحدّت واستثمرت قوتها وقدراتها وطاقاتها لازدهار المنطقة، بدلاً من توجيهها لافتعال الأزمات والحروب، تخيّلوا كيف ستكون هذه البقعة من الأرض، وكيف ستعيش شعوبها، وكيف سينعكس ذلك على العالم كله.
إنّ على السلطنة مهمة مرحلية صعبة للغاية لنزع فتيل الحرب في الخليج، والأهم من ذلك زرع بذور الثقة بين الأطراف المتنازعة، تأمينا لمصالحها أولا، وتجنبا لحرب ـ إن حدثت ـ فستقضي على الأخضر واليابس في الخليج، وتهدد الأمن العالمي كله، وستعيد دول المنطقة إلى زمن الجاهلية الأولى، وترجعها إلى مربع البداية في التنمية، لذا على جميع الأطراف التحلّي بالحكمة اللازمة ليبقى هذا الخليج أكثر هدوءا وسلاما..فالحروب بين الجيران دائمًا حروب خاسرة، لا منتصر فيها، وستبقى عمان أرض محبةٍ يجتمع فيها (الباحثون عن السلام) على الدوام، هذا قدرها، وهذه رسالتها.

Samawat2004@live.com