حرب الطبول في طبول الحرب

 

غسان الشهابي

 

أرجو ألا أكون مخطئاً بأنّ التصعيد في المنطقة هذه الفترة سيعود إلى حجمه الطبيعي بعد فترة وجيزة وألا تقوم حرب في المنطقة التي كُتب عليها ألا ترتاح منذ أربعين عاماً تقريباً.. أربعة عقود وما مرّ عقد والخليج ليس فيه دمار وحروب وقتل وتشريد، وليت الأمور تنتهي عند الحرب وحدها، فهي أيام معدودات ينتصر فيها من ينتصر، ولكنّها متعلقة بما بعد الحرب من نتائج تطول، وهاكم العراق مثالاً، فالحرب عليه استمرت 44 يوماً، ولكنه يعاني من ويلاتها على مدى 16 عاماً، والمرجّح أن تستمر المعاناة سنوات أخرى.

هناك من يصفق ويهلل للحرب، وهو أكثر جهلاً من الجاهلي زهير بن أبي سلمى إذ قال عنها:

وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ    وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ    

مَتى تَبعَثوها تَبعَثوها ذَميمَةً       وَتَضرَ إِذا ضَرَّيتُموها فَتَضرَمِ

 

وفي الحقيقة أننا في الساحل الغربي للخليج العربي لم نعلم من الحرب إلا قليلاً، ولم نذق منها إلا بعضاً من جوانبها الاقتصادية، ولكنها بالفعل ذميمة، تذكرني بالصحافي المصري الراحل محمد ناجي الذي كان يعمل في صحيفة "الأيام"، أثناء تحرير الكويت، دخل علينا وسيجارته السوبر ترتعد بين أصابعه وشفتيه وعيناه كأنهما تنظران إلى أرض المعركة قائلاً بصوت متهدّج: "بدأت الحرب البرية... الدباباااات"، فنظرنا إليه نظرة ساخرة وقلنا ما لنا نحن والحرب على بعد مئات الكيلومترات، فقال: "أصلكم ما تعرفوش معناتها أيه الحرب!"، نعم لم نكن نعلم، ولا نزال لا نعلم... كل ما نعلمه أننا سنعود للفرجة عليها عبر الشاشات اللامعة، وأن ليست لنا علاقة بها بشكل مباشر، وأنها لن تمسّ بلادنا، أو هكذا نتمنى، فلما أرى قارعي طبول الحرب من كلتا الضفتين أرى فيهم نظرة الأشقياء من الصبيان الذين يتصيّدون العراك في أي منعطف، ويعتقدون أنهم سيخرجون منه ببعض الكدمات فقط تنبئ عن مراجلهم.

إنّ أي حرب ستقام في المنطقة نحن الغارمون فيها وليس فيها من غانمين، وفي أوضاعنا الاقتصادية التي لا تكاد تشير إلى عافية قريبة، فإن مجرد الاضطراب والتهديد والتلويح بالحرب وتصاعد أصوات الطبول ستعيد الخطوات إلى الوراء، وهي التي ما كادت تتحرك خطوات إلى الأمام، الميزانيات ستنشف، والتلوث سيعم، والأمراض ستتنوع وتتجدد أسماؤها، وقارعو الطبول في زيرانهم يعمهون.