"الهلال".. ما بين غَمضة عين!

المعتصم البوسعيدي

كثيرةٌ هي الأحلام، كبيرةٌ هي الطموحات، المسارُ يبدو واضحَ المعالم، والأشياء في أماكِنِها ثابتة، وفجأة تنقلبُ الموازين؛ حيثُ "الكوابيس" تغزو المنام، والضباب يحتلُ المصير، والأشياء تتحرك عن أماكِنِها، والأصواتُ تعلو وتتعددُ الاتهامات، ولا حل إلا "بعد خراب مالطا"!!

لم يَكُن أكثر المتشائمين من مُحبي نادي الهلال السعودي ينتظر هذا السيناريو القاسي الذي أطارَ بكل عصافيرِ الشجرةِ على كِثرتِها، ويبدو أن عصفور اليد -أيضاً- سيطير حتى لا يبقى ما يسد الرمق ويروي العطش؛ فقد خسِرَ الهلال كل بطولات الموسم بعدما كان منافساً شرساً ومرشحًا أول لمعانقةِ الذهب محليا وعربيا وقاريا، وهربتْ الكلمات من على أفواهِ مُشجِّعيه، وسكنت كبرياء الزعامة، وأُريق ماء الحياء عن الوجوه، وعلامات التعجب حيرى لا تلوي على شيء!

من يتحمَّل ما حدث؟! سؤالٌ رُبما الأغلب يضع إجابته في مرمى الإدارةِ بقيادةِ الأمير الشاب محمد بن فيصل، وهُناكَ من يُحمِّل التغيير -غير المنطقي- للمدربِ البُرتغالي جورجي جيسوس، والذي أعقبه الخط البياني التنازلي للموجِ الأزرق حتى الوصولِ إلى خُماسيةِ التعاون في نصفِ نهائي كأس الملك وثُنائية الدوري التي رُبما هي رصاصةِ الرحمة في معركةِ الصدارة.

لا شكَّ أن من يُتابع كرة القدم يُدرك أنَّها لعبة كُل الاحتمالات والشواهد كثيرة، وما بين "غمضة عين" تتبدل الأحوال من حالٍ إلى حال، ومع السقوط تكثر "السكاكين"، خاصةً إن كان السقوط "لجملٍ" كبير وكبير جدًّا، لكنَّ السقوط الأكبر يكون خارج اللعبة دائماً؛ عند سقوط القيمِ والأخلاق، والسماحَ بدخولِ السُّذجِ في تقييمِ الأوضاع، وترك "الحبل على الغاربِ" لعديمي النخوةِ والمروءة على نحوٍ مُقزز لكيل الاتهامات وتشويه الصورة، مما يستوجب تقويم نقصه وبتر سرطان سلوكه قبل أن يستفحل وينشر سمومه الواهية، حتى وإن قال قائل إنه يمثل نفسه فقط!!

نفتخرُ كعُمانيين بالأمين علي الحبسي بإنسانه الخلوق قبل كونه لاعبَ كرة قدم يُشار إليه بالبنان، وندرك أنه قادر على تخطي التحديات مع ناديه، كما أننا لا نبرئهُ من نزولِ المستوى في فتراتٍ مُعينة وهذا الشيء الطبيعي، وهو يملكُ من التجربةِ والخبرةِ ما يخوله لتحمُّلِ المسؤولية، إلا أن قيمته ستظل ثابتة والثقة به مستمرة مهما كانت النتائج والظروف، وما لا يُرضينا هو أن يكون ثمة بشرٌ تتعدى في نقدِها الإطارَ الأخلاقي كما أسلفنا، إلا أنَّنا نمرِّر ذلك من خلال "وإذا أتَتكَ مَذمّتي من نَاقِصٍ/ فَهيَ الشّهادَةُ لي بأنّي كامِلُ"، وعلى العموم فإن الهلال -أيضاً- برجالاتهِ سيتخطى هذا الوضع الصعب، وسيعود أقوى وأكثر صلابةً لتحقيقِ البطولاتِ والإنجازات مهما كانت القرارات القادمة.

يبقى القول إنَّ ما يحدثُ في الهلالِ يجب أن يكون درساً مفتوحاً للجميع، وأتمنى أن نجدَ في عالِمنا الرياضي والكروي العربي، خاصةً على مستوى دورياتِنا المحليةِ منهجٌ واضح لبناءِ منظومةِ عمل أساسها الثبات لا التغيير الذي يقوده المال بلا هوادة، والأفكار الشخصية لا الإدارة والقيادة، كما أن الإثارة ليست غاية ناجعةً تُبرر الوسائل، والنجاح ليس حالة وقتية بقدرِ ما هي سيرورة زمانٍ طالَ أو قصر، وأخيراً فإن الهدوء لغة الأقوياء "وقد تلسع الحشرة جواداً أصي، اً لكنها تبقى حشرة ويبقى الجواد أصيلا"!