من أجل عينيك يا عُمان.. نكتب!

مسعود الحمداني

سألني أحد الأخوة: لماذا أنتم -أيُّها الكتّاب- ناقمون على الوطن؟ تكتبون عن النقاط المعتمة فقط، وتتناسون المضيئة منها؟! لماذا لا تكتبون عن المنجزات والمشاريع العملاقة وتكتفون بالكتابة عن السلبيات؟!

وبقدر ما أثارني هذا السؤال، واستفزَّني، بقدر ما وجدته سؤالا قد يخطُر على بال البعض من الذين يخلطُون بين الوطن والحكومة، وبين الدولة والمواطن، وبين من يُريد الإصلاح وذاك الذي يصطاد في الماء العكر، ويتصنّع بطولات من ورق.

فالوطن مِلكٌ لجميع مواطنيه، وهو الدار الكبيرة التي يجب على كل أفراد الأسرة أن يتعاونوا على نظافته، واستقراره، وتنقيته من الشوائب، وزرع الورد للمستقبل، بدلا من قطف الزهور، الوطن هو البيت الذي يضم كل الطوائف، وكل المذاهب، وكل المختلفين، فهو ليس حكرا على أحد، ولا وَقْفًا على فرد، وهو ليس مزرعة لأشخاص دون غيرهم، ولا استراحة لمجموعة يريحون فيها حين تعييهم الأعباء، هو كل ذلك ربما، لذلك من حق الجميع دون استثناء أن يتقاسموا ظله، وأرضه، وبرده، وحرّه.

ومن أجل ذلك، تقع على كل مواطن مسؤولية تجاه وطنه؛ وبالمقابل هناك حقوق مكتسبة ومشروعة على الفرد (المواطن) أن يحصل عليها دون تفرقة أو محاباة؛ فالوزير مسؤول عن أمانته، والموظف مسؤول عن أداء مهامه، وأجهزة الأمن مسؤولة عن استتاب الأمن، والتاجر مسؤول عن توفير المواد الاستهلاكية وعدم الغش، والطبيب مسؤول عن إخلاصه لواجبه، والمزارع مسؤول عن العناية بأرضه ومنتوجاتها، والإعلام مسؤول عن تقديم المعلومة الصحيحة؛ بمعنى أنَّ الجميع مسؤول عن جزء معين من هذا الهيكل المقدّس، الذي لا يحق لأي فرد فيه أن يتجاوز صلاحياته، ولا أن يشطط في مسؤولياته، ولو قام كل مواطن منَّا بما تمليه عليه وطنيته وأمانته، لاعتدلت الأمور، ولما مالت الكِفة، ولنعم هذا الوطن الكريم بأعلى درجات الأمن والسلام؛ فالأمن الشامل ليس فقط ذلك الجزء الذي تحرسه الجهات المختصة، بل هو أمن نابع من ذات المواطن، وهو يعتمد على تحصين الفرد من الإخلال بأي واجب من واجباته، وغرس الخوف على الوطن في جوفه، ومنحه -في المقابل- كافة حقوقه دون مساس بها، وعلى قدم المساواة مع الآخرين، وعدم معاملته كدخيل، أو كمواطن من الدرجة الثانية، وهذه المبادئ هي ما يحاول الكاتب أن ينحاز إليها، وأن يقرع ناقوس الخطر كلما مرَّ عليه ما يمس بأمن وطنه، كونه أحد الأفراد الفاعلين في المجتمع، وأحد أركان النظام الرقابي الاجتماعي؛ فالصحافة هي السلطة الرابعة التي تتيح للمسؤول -وهو مواطن أولاه جلالة السلطان ثقته- مراقبة عمله، وأن يعدل من سيره كلما خرجت خطواته عن جادّة سيرها، ولو لم تكن هناك رقابة -على مستويات مختلفة- لخربت الدنيا، ولأمن المسيء العقاب فتمادى في غيّه.

إنَّ دولة تعيش دون صحافة ودون كتابة هي دولة تقع خارج الزمن، فتكميمُ الأفواه ما كان يوما طريقا للإصلاح، بل إن إسكات الأصوات وكتم الأنفاس هو تشجيع على الفساد، ولا يمكن أبدا أن يكون الفاسد صانعا لوطن أو مستقبل. ولو تمَّ تجاهل كل قضية عامة والالتفاف عليها من قبل الصحافة والإعلام، لكثر المفسدون، ولتهاوت أركان المجتمع، ولأصبحت الدولة في قبضة مجموعة من اللصوص، والانتهازيين، وحاشا لعمان بتاريخها الحاشد، وحاضرها الزاهي أن تكون رهنًا لمثل هذا الفكر الضيّق، فقائدها -حفظه الله- ينظر إلى المستقبل بعين ثاقبة، ودولته قامت على مبادئ ثابتة، لا تحيد عنها، حتى وإن حاد عن منهجها بعض الأفراد جهلا أو علما، فمثل هذا النباتات الضارة لا تستطيع إعاقة خطوات الوطن؛ لذا وجب اجتثاثها، وهذا هو دور كل مؤسسات الدولة ومن بينهم المؤسسات الإعلامية في كشف وفضح ممارسات مثل هؤلاء أيّا كانت مواقعهم، ومكانتهم، كي تحظى عُمان العظيمة بما يليق بها من مكانة، وما يستحقه أبناؤها من حاضر ومستقبل.

فليتأكد كلُّ من يقرأ نقدا يمس مسؤولا أو جهة في هذا الوطن، أننا لعينيِّ عُمان نكتب، وفي عينيها نذوب حتى الرمق الأخير، ولا نريد من وراء ذلك جزاء ولا شكورا.