ولهذا خرجوا.. ويخرجون!

غسان الشهابي

ونجح السودانيون- كالجزائريين- نجاحاً جزئياً في تغيير رأس النظام، بينما لم ينجحوا إلى الآن في تغيير النظام بالكامل؛ فالأنظمة في بلادنا العربية ليست كما الحيّة التي تموت ما أن تقطع رأسها، بل هي أقرب إلى الكائنات الأسطورية في ألف ليلة وليلة، والتي إن قطعت رأسها نما لها رأسان وثلاثة وتكاثرت. ولأنّ الأحداث متعاقبة وسريعة في كلا البلدين العزيزين، فما لنا إلا الانتظار حتى تنجلي الأمور، مع كل الرّجاء أن ترسو سفائن الشعوب حيث أرادت.

ما أودّ قوله، هو أنّ الكثير من المتظاهرين والمحللين بأنواعهم (سياسيين واستراتيجيين وعسكريين...الخ) يشيرون إلى نقطة يكادون يجمعون عليها في أسباب الحراك، وهي "طول المُكوث"، أي طول مدة حكم الرؤساء العرب الذين أسقطوا والتي تراوحت ما بين 34 و23 سنة. وفي رأيي أنّ الانتفاضات العربية لا علاقة مباشرة لها بطول الحكم، ولا بالألاعيب السياسية التي تمارسها الأنظمة العربية في تزوير الانتخابات، ووضع جميع أنواع العراقيل أمام المترشحين للرئاسة حتى لا ينجح منهم أحد، بل وحتى لايتجرأ أن يرشح نفسه أحد في المستقبل، ويجري تعبيد الطرقات للرؤساء بمدّ الفترات الرئاسية مرة ومرتين، حتى يقع في مجرى اقتراح الرئاسة إلى الأبد، ومن ثم توارث الكراسي في الجمهوريات...! هذا كله يهم النخب السياسية، والمتعاطون مع حقوق الإنسان، ومن في حكمهم.

لو نظرنا إلى ما أخرج الجماهير من بطون بيوتها، ومن أمانها الهشّ المزيّف أحياناً، وصمودها في الشوارع أمام وابل الرصاص والقهر والاعتقال والسحل والتعذيب، سنجد أنّهما أمران: فقدان العدل، وتردّي الحالة المعيشية للناس، وليس شيء آخر، فلا يهمّ الناس – عموماً – أسماء الجالسين على العروش، ولا عبثهم بالدساتير، ولا يحفلون كثيراً بالتوريث، ولكن يهمهم الجوع والعوز إذ يدخل بيوتهم، تمسّ الأمراض أسرّة أطفالهم، يقود شبابهم إلى الانحراف الأخلاقي والقيمي، والانجراف وراء الدعوات المتغذية على بؤس الواقع واليأس منه، يلقون كل البال لما يجعلهم قليلي الحيلة في إدخال ولو فرحة فقيرة كالحة على ثغور بناتهم، ويكسرهم منظر أبنائهم على الأرصفة بعد كدّ في الدراسة لسنوات طوال.

هنا يصحو الناس ليرفعوا أصلابهم ورؤوسهم ليقارنوا أوضاعهم المتردّية بأوضاع الطبقة الحاكمة المتنعّمة.. هنا يمكن للمحللين قول ما يشاءون حتى لو رأوا في ما تقدّم "تسطيحاً للمشكلة"، فالناس يعرفون طريقهم.