اليمن المتنوّع.. والواحد

 

عمار الأشول

** كاتب يمني

 

تقول الأسطورة، لا يوجد في اليمن عابد وثن، ويقول الله في محكم كتابه، على لسان الهدهد "وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ". فاليمني كان يعبد الشمس قبل هدايته إلى دين التوحيد، لكنه على الأرجح، كما تقول الأسطورة، لم يعبد حجرا أو بشرا. في هذا البلد، كنّا بوجود الدولة، نجد التعايش ونلمس التنوّع والتسامح رغم الإختلاف، وبغيابها، صار القوي يأكل الضعيف، والمظلوم تحوّل إلى ظالم، والعكس صحيح. لقد صار البلد غابة، الحكم فيه للأقوى والأعنف، فيما الضعيف يتهاوى تارةً ويقوى تارة أخرى، لينتقم!

ألم أقل لكم إنه بلد مُختلف وليس متخلّف، يعجّ فيه التنوّع، يزخر فيه التباين، وتطفو على ملامحه صفة الإختلاف، وليس الخِلاف؛ هذا الأخير غزاه مؤخّراً.

تنوّع اليمن ليس اجتماعي أو ثقافي أو فنّي فحسب، إن تنوعه يبدأ ولا ينتهي؛ الزي، والنوتة الموسيقية، والرقصة الشعبية، على سبيل المثال، لكن يبقى أجمل ما في الإنسان اليمني، إعتزازه بيمنيته. اليهودي اليمني "الأصل". المسيحيون في عدن وفي تعز والمهاجرون منهم. الإسماعيلية في جبال حراز وفي وديان عراس وهضاب العدين. البهائيون المختبئون والمُعتقلون أيضاً. الصوفية بكل فرقها وتفرّقاتها، المنتشرة في صحاري حضرموت المترامية. الزيدية والشافعية، الأغلبية وأصحاب الغَلَبة، بكل أشكالهم وألوانهم؛ الكل يعتبر اليمن موطنه، وحضاراته.

ثقافة الحضارم وخبرتهم في التجارة، حالة فريدة تستحق أن تُدرّس. تسامح أهل تهامة وبساطتهم، مدرسة بحد ذاتها. الذوق الرفيع لأهل صنعاء القديمة، اتيكيتهم الكلاسيكي، ولهجتهم الأنيقة والساحرة، كل ذلك يظل محلّ انبهار. مدينة الورد و"المشاقر"، المتكئة على جبل صبر، هي الأخرى، تفوح منها رائحة التنوّع والجمال، "المشقُر" فيها بالجانب الأيمن والوردة على الخد الآخر. سُقطرى والمهرة ولغتهما المُبهرة، تستحقان التأمّل أيضاً. الجوف البداوة والشهامة فيها. صعدة وحجة وعمران، حيث التنوّع القبَلي، والغلظة المرافقة للنُبل. المحويت وريمه، مدنٌ وقُرى معلّقة فوق السّحُب، وفي كل مِعلاق نجد عادات وتقاليد مختلفة ومتناغمة في آن. الضالع ويافع وردفان، حيث تسكن النسور ويهبط الوحي، لتصبح الثلاثة السيوف، في الملمّات، سيفاً واحداً، والرأي واحد. شبوة شبّابة البلاد. البيضاء بلد البدوي المتحضّر مرّةً واحدة. إب، نيويورك اليمن، بكل ما تعنيه الكلمة من تنوع، حاضنة قبائل الشمال والجنوب معاً. أبين مزرعة للخير وساحل للأمل. ذمار الفكر والأدب، حلقة الوصل بين الجهل والثقافة. لحج الأُنس والطرب، و"القومندان"، الذي كان سلطانٌ لحج وموزّع الحان في آن؛ هل حصل وأن حدث مثل هذا في غير اليمن! عدن مدينة الصحراء والبحر والجبل؛ كل هذا التنوّع، وغيره، في اليمن.

يمتاز الشعب اليمني عن غيره من الشعوب، بالتعددية؛ الفنّ مثلاً، تتعدّد ألوانه وأشكاله، وقد يُعزى ذلك بشكل رئيس إلى تنوع اللهجات اليمنية، التي خلقت هذا التباين في الفن وفي الأغنية، ما جعل لكل منطقة أنماطاً غنائية خاصة بها تميزها عن غيرها، وإن كانت صنعاء اليوم، هي عاصمة الأغنية اليمنية، رغم الإيمان بعدم مركزية الفن اليمني، فقد كانت زبيد مركزاً لازدهار الغناء اليمني في القرون الوسطى، تلتها عدن في مرحلة من المراحل، تحديداً بداية القرن العشرين؛ وما هذه إلا واحدة من تجلّيات التنوّع في اليمن. كذلك الأزياء الشعبية اليمنية، تتنوّع بتنوّع المناطق والقُبل، فلكل قبيلة ومنطقة زيها الخاص وحُلّتها المتميّزة، وليس مبالغاً القول، إنه وقبل أشهر قليلة، أُقيم في العاصمة صنعاء، معرض أزياءٍ شعبية للرجال، تجاوزت فيه الأزياء ستون نوعاً، ستّة منها فقط من نصيب محافظة تعز، وهذه بكل تأكيد ليست إحصائية، فهناك المزيد.

دعونا نختم "بالبَرعْ"، مع أنه لا نهاية لثروة التنوع والتعددية في اليمن. البَرعْ رقصة شعبية يمنية، وتعني في اللغة الحِمْيَريّة: "الحرب"، وكلمة "بَرعْ" مشتقّة من "يَبْرع" أو "البرَاعة"، فالثقافة اليمنية غزيرة وغنية بمختلف الفنون الشعبية، من بينها الرقصات والأهازيج، إذ تختلف أنماط البَرعْ باختلاف المناطق والقبائل، فهناك البرعة الهمدانية، والحرازية، والخُبانية، والحارثية، واليافعية، والبيضانية، والمطرية، وغيرها، كل منها تتميّز عن الأخرى بالموسيقى المصاحبة لها، وتنوّع الحركات والخطوات، لكنها كلها رقصات يمنية ضاربة في القِدمْ، تعكس ثقافة وتنوّع هذا البلد، الذي هو عالَمٌ متعدّد في بلد واحد.

 

تعليق عبر الفيس بوك