"هل وصلت رسالتك؟".. تساؤل للمكرم حاتم الطائي!

 

د. عبدالله باحجاج

تمكنت المبدعة إيمان الحريبي من تنظيم وإخراج فعالية ناجحة بكل المقاييس، الأبرز فيها من وجهة نظرنا، تعبئة وإقناع المؤسسات التعليمية والتقنية والمهنية في محافظة ظفار للمشاركة في الجولة التعريفية لجائزة الرؤية لمبادرات الشباب في نسختها 2018، فامتلأت تقريبا القاعة الرئيسة الكبيرة لمجمع السلطان قابوس الشبابي للثقافة والتربية من الطلاب من الجنسين، وقد أحسن المكرم حاتم الطائي رئيس تحرير جريدة الرؤية والمشرف العام على الجائزة، الإشادة بهذه المبدعة أمام الحضور الكبير، وهذا ينم عن ماهية هذا القائد الإعلامي في قيادته وإدارته للنجاح داخل إمبراطوريته الإعلامية التفاعلية- الطموحة والواعدة- التي بدأت مسؤوليتها الاجتماعية تسطر صفحات تاريخية غير مسبوقة في تاريخ إعلامنا بشقيه الحكومي والخاص.

وهنا، ينكشف لنا  فكر هذه الشخصية التي تسابق العصر في التعاطي مع منتوجاته الديناميكية المتسارعة، وبالذات في مجال التكنولوجيا الإعلاميّة، ومن منظور إيمانه بالتفاعلية كمقاربة إعلاميّة تتجاوز الآن كل خصائص وخواص الاتصال، فالاعتراف بالنجاحات الشخصية لمنظومة العمل الجماعية، وإعطاء حقها الاعتباري بصوت مرتفع، هو نوع من أهم فنون القيادة الحديثة والناجعة التي تسعى إلى استدامة النجاح في بيئات تنافسية عالية المستوى، لدواعي استمرارية التفوق في هذه المنافسة المتجددة، فالقائد- بالمفهوم التقني- ليس مطلوب منه صناعة النجاح، وديمومته، وإنّما قيادة هذا النجاح، وضمان استمراريته في بيئة جاذبة وتنافسية.

وقد كانت هذه الجزئية الهامة في فعالية البرنامج التعريفي بجائزة الرؤية لمبادرات الشباب، مؤثر على تفكيرنا ووعينا المهني، ربما أكثر من غيرنا، ولن نبالغ إذا ما قلنا، الوحيدين في القاعة، فقد عشنا في مرحلة إعلامية سابقة تنسب النجاحات لغير أصحابها، وتهضم حقوقهم، وترفع غيرهم زورا وبهتانا، بينما هم قابعون في امكنتهم الوظيفية "محلك سر"، وهذا بدوره أدّى إلى تفريغ المؤسسات من المبدعين والمبتكرين، وتحولت أنظمتها إلى الطابع الاشتراكي "فعليا وليس قانونا"  تترقى بالجملة، وتُكافأ بالمثل، فقتلت حالة الإبداع والابتكار عند جيل كامل، والنتيجة الفشل في بيئات العمل وفي المؤطرين والمسيرين، فشكر الأستاذ حاتم لإيمان يلامس جرحا عميقا يعاني منه جيل، لكنّه في المقابل يفتح الأمل لجيل مقبل، ويفتح الوعي السلطوي للتغيير، من هنا يستوجب الشكر والتقدير للطائي على إشادته بنجاح مبدعة تعمل ضمن منظومته الإعلامية، فهذا حدث، لا ينبغي علينا أن نمر عليه دون التوقف عنده، لذلك ينبغي إعلاء شانه، لأنّه يمس جوهر كل المؤسسات الرسميّة والأهليّة، مع التفاوت، لأنّها في الوقت الذي يفترض منها العمل بصورة غير تقليدية ونمطية، تستمر في الإغراق فيها، والسبب؟ قيادتها.

ومثالية الطائي – من منظور أنها فوق الواقع – تعطينا صورة تقريبية عن فكر العام، ومنها  لن نستغرب إذا ما انتقل دوره من نطاقه الداخلي إلى مستوى عموم الوطن، وبالذات الجيل الجديد، وهذا ما لاحظناه أثناء حضورنا لفعاليات البرنامج التعريفي لجائزة الرؤية لمبادرات الشباب على أرض اللبان أمس الإثنين، فالجمهور المستهدف هم طلاب مرحلة الدبلوم العام وطلاب الكليات التقنية والمهنية، ورسالته، التحفيز على الابتكار، وغرس الإيمان به مستقبلا، والبحث له عن دعم مالي سنوي، واستدلالاته كثيرة، أبرزها منح جائزة مالية أعلى سقفها 1500 ريال و1000 ريال و500 ريال، فهل هناك من إمكانية مستقبليّة لرفع هذه السقوف المالية؟ لكن لماذا نطرح هذا التساؤل؟ الإجابة لكي نصل إلى النوع الثاني من الاستدلالات التي تحاول الجائزة من خلالها تشجيع الابتكار، وجعلها ثقافة مُترسّخة في ذهنيات الجيل المقبل، وهو عرض نماذج لتجارب شبابية ناجحة، ومن خلالها يمكن الوصول إلى تغيير الذهنيات، ومن ثم إحداث التغيير، وبذلك يكون للبرنامج التعريفي بالجائزة عدة أهداف منها الترويج نفسه، والأخرى نشر ثقافة الابتكار وإمكانية تحقيق الأفكار المبتكرة إلى مشاريع تعم فائدتها على المبتكر وعلى الآخر.

نجحت الفعالية في استهداف الذهنيات الشبابية، عبر تقديم نماذج محلية من المجتمع في ظفار، استدعيت خصيصا للحديث عن قصصها الناجحة، فمثلا قصة أثير مسلم تبوك، خريجة تخصص أحياء دقيقة من أمريكا عام 2017، لم تنتظر فرصة العمل التي يحلم بها كل خريج؛ وإنما أمعنت في إعمال العقل، وفكّرت بعمق في توظيف تخصصها العملي، وكان لها ما أرادت، وهو تأسيس مشروع تحت مسمى "لبانة" للعناية الطبيعية من اللبان الخالص، منتوجاته الصوابين والمرطبات الخالية من المواد الكيماوية، وقد قدمت تجربتها للطلبة من البداية للنهاية، بل وللمستقبل، وذلك عندما كشفت أن طموحها هو الوصول إلى العالمية.

وماذا يعني ذلك؟ يعني أننا يجب أن نؤمن بقدرات شبابنا، الابتكارية والإدارية والقيادية والسياسية... إلخ وعلينا أن نحرر فكرنا من مجموعة عقد منها التجربة التي أريد منها الإقصاء وتصنيم النخب في مواقعها الوظيفية، أكثر منها حجة اتهامية ضد جيل الشباب أو كل مبتكر ومبدع، وماذا تعني كذلك؟ تعني أن شبابنا يمتلكون الذاتية بكل مقوماتها التي تصنع الإعجاز في الابتكار في كل المجالات، ولمَ لا وهم ينتمون لحضارة متجذرة خرج منها العلماء في كل مناحي العلوم، وقادرة على صناعة العلماء في كل زمان ومكان.

النموذج الثاني الذي نقدمه هنا كذلك، قصة الإعلامي عبدالله صفرار، فمن خلال مشروع تخرجه الجامعي "مشروع مذيع" تمكن هذا الشاب المبدع من أن يحول حلمه إلى واقع يرفد به الحقول الإعلامية المختلفة بقدرات شابة واعدة، تملك التأهيل الإعلامي والقدرات اللغوية، وكانت فقط تحتاج لابتكار مشروع مثل مشروع مذيع، وهذا ما أقدم عليه صفرار الذي لم يكتف بحصوله على الإجازة من تخرجه في جامعة السلطان قابوس، بل حوله إلى مشروع يكتشف به القدرات داخل تلكم المؤسسات التعليمية عبر إجراء مسابقات في تقديم البرامج وقراءة النشرات والثقافة العامة والكاريزما...إلخ.

والنتيجة؟! تلكم الوجوه الشابة التي نستمتع بقراءتها لنشرات الأخبار أو تقديم البرامج والتعليق الرياضي في تلفاز وإذاعة السلطنة مثل خالد الإسلامي وعلى صعر وسيف الفوري وأمل تبوك وقاسم البرعمي والمعلق الرياضي شبيب الحبسي.. وغيرهم.

وقد قدّمت هذه التجربة أمام الطلبة، ومن المؤكد أنّها قد تحطّم في ذهنيّتهم شيء اسمه صعب أو مستحيل، ومن المؤكد أنّها عززت عندهم الأمل مهما كانت التحديات، لأنّهم كانوا يستمعون لنجاحات من أشخاص يعرفونهم حق المعرفة، ومن بني مجتمعهم، وهنا تتجلى كذلك ماهيّة الفكر الذي يقف وراء تقديم هذه التجارب، لأنّه يعلم أنّ صداها عند الجيل الجديد سيكون أقوى من أصوات خبراء يأتون من خارج الحدود.

وتلكم مجموعة رسائل كبيرة، لها تواقيتها الزمنية المواتية، من هنا عنونّا مقالنا بذلك التساؤل، ومن العنوان، وجدنا انفسنا لزاما نستنطق مضامين الرسائل بصوت مرتفع، في ظل استيائنا من مشهد يتكرر دائما، وقد أصبح مثيرا للسخرية، ومستفزا للوعي، ومقللا من قيمة مثل هذه الفعاليات المهمة، وهى مغادرة الصفوف الأولى من أيّة فعالية بعيد الكلمات الترحيبية والشكر والتصوير، رامين  بالأهم في البحر، قد نقدر انشغالات رعاة هذه المناسبات، لكن ليس بالمطلق، وإنما في حالات معينة فقط، لكن من غير المقدر أن ينسحب مع كل راعٍ كل الضيوف وبالذات الصفوف الأمامية، وهذا ما حدث في الفعالية التي نتحدث عنها، فقد غادر مع الراعي- الذي قد يكون لديه مواعيد عمل مسبقة- كل الصف الأول من مديرين عموميين وكبار الشخصيات، وبذلك تتعزز ثقافة المظهرية وهوس الظهور الإعلامي.

لذا نقترح إلغاء فكرة الرعاية هذه وفي المقابل البحث عن شخصيّات ثقافية أو فكرية تمتلك الوعي والفكر في تقدير قيمة مثل هذه الفعاليات وتأثيراتها العميقة على تشكيل وإعادة تشكيل الذهنية الجديدة لمواجهة استحقاقات المستقبل، ويظل تساؤل العنوان قائما وهو: هل وصلت رسالة المكرم حاتم الطائي من أرض اللبان؟ ولمن؟ وهل فُهمت من السياقات التي استنطقناها سريعا من خلال هذا المقال؟