أين يقع الخط الأحمر؟!

 

نجاة بنت صالح الكلبانية

غاندي الزعيم الهندي الأشهر والذي اتِّخذ من الطرق السلمية منهجاً لمُواجهة المحتل البريطاني في الهند مما أكسبه شهرةً ليس في موطنه وحسب وإنما منحه شهرة عالمية كانت نهايته أن ذهب ضحية عملية اغتيال نفذها رجلٌ من نفس ديانته!

غاندي لم يُقتل على يد شخصٍ من خارج ديانته ولكن تمَّ اغتياله من قبل هندوسي مُتشدد لم تعجبه طريقة غاندي السلمية وتقبله للديانات الأخرى حيث رأى قاتل غاندي أنَّ في ذلك إهانة للديانة الهندوسية. منفذ عملية الاغتيال كان يرى أنّ ديانته فوق الديانات الأخرى ولربما افترض كذلك أنَّ دليل تمسك أحدهم واحترامه لديانته هو عدم تقبله للديانات الأخرى التي تؤمن بمعتقدات قد تتعارض مع معتقداته هو.  وبالرغم من أنَّ غاندي اعتمد الطريقة السلمية في التعبير عن آرائه وترفَّع عن استخدام العنف والتخريب إلا أنَّ هذا لم يجنبه خطر الاغتيال فخلال فترة حياته تعرض لست محاولات اغتيال معروفة. 

مالكوم إكس ناشطٌ أمريكي مُسلم من أصل أفريقي كان هو الآخر ضحية اغتيال على يد ثلاثة مسلمين أمريكيين من ذات الأصل. اغتالوه لأن توجهه تغير من الدعوة للعنف ضد الأمريكان البيض وبدأ يُنادي بالسلم ونبذ العنف وتقبل الآخر. بدأ يرى الإسلام بماهيته كدينٍ يدعو للسلام. لم يتقبل أولئك كلام مالكوم إكس واعتبروه خائناً لبني عرقه ورأوه مستحقاً للقتل فاختاروا أن يطلقوا عليه النار خمس عشرة مرة وهو يستعد لإلقاء خطاب. فارق مالكوم الحياة وهو في ريعان الشباب حيث كان عمره 39 تاركاً وراءه زوجته وبناته الست.

 وكما قُتل غاندي على يد هندوسي وُقتل مالكوم إكس على يد مسلمين يُقتل كل يوم في بقاع العالم أناسٌ على أيدي أتباعٍ لنفس الديانة. ويجد هؤلاء ولربما ببساطة مخيفة التفسير والتبرير الذي يدعوهم للقتل. أين يبدأ الخط الأحمر لمن يسمح لنفسه بزهق روح إنسان بدون أي سبب إلا لأنه مختلف؟! وهل يوجد أصلاً خط أحمر أمام هؤلاء؟ 

إذا سمح أحدهم لنفسه بقتل شخص على خلفية أنه يدين بدين مختلف وعليه فقتله حلال لأنه من "الكفرة الفجرة"، سيجد لاحقاً مسوغاً لنفسه حين يقتل شخصاً من ذات دينه ولكنه ينتمي لمذهب مُختلف لأن هذا الأخير يدخل في نطاق "العصاة الفسقة"! بل وقد يسمح لنفسه لاحقاً بقتل أشخاص من نفس مذهبه لأنهم يثيرون الريبة لتقبلهم آخرين من غير مذهبهم أو غير ديانتهم!

من يقتلون باسم الدين كُثُر. تجدهم في كل البلدان وينتمون لأيٍّ من الديانات السماوية أو الوضعية. هؤلاء هم من يرون في أنفسهم الأكثر تديناً وقرباً من الله والأكثر قدرةً على تحديد أحقية الأفراد في الدخول للجنة. هؤلاء هم المصابون بالرهاب من الآخر من أي شخصٍ مختلف أو أي فكرةٍ مختلفة عما ألفوه. هؤلاء من يغلقون أعينهم وآذانهم وعقولهم عن التمعن في ذلك المختلف. إنّ في الاختلاف -بالنسبة لهؤلاء- خطرٌ لا يستطيعون قبوله بل لا يعرفون كيف يتعاملون معه وبسبب جهلهم وخوفهم هذا يقررون أن أسهل الطرق للتعامل مع المختلف هي رفضه أو نبذه أو قتله. والمرءُ عدو ما يجهله وما أخطر الجهل حين يصل بامرئٍ لقرار زهق الأرواح فعندها يفقد الإنسان إنسانيته ويصبح خطراً على كل من حوله.

najat@squ.edu.om

تعليق عبر الفيس بوك