من مدرسة قابوس.. نتعلم

سيف بن سالم المعمري

 

مع إطلالة العام الدراسي الجديد، نحاول أن نستوقف الذاكرة قليلا، لنستعيد بدايات مسيرة التعليم التي شقت طريقها الظافر منذ الأيام الأولى لميلاد النهضة العُمانية، بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- قبل خمسة عقود من الزمن، وهي بلا شك مرحلة تأريخية مفصلية تستحق الوقوف عندها للدراسة واستلهام العظات منها.

لا يُوجد مجال للمقارنة بين ما كان عليه التعليم قبل عام 1970م، وما هو عليه الآن، فبينما كانت في عُمان ثلاث مدارس فقط على اتساع مساحة البلاد شرقها وغربها شمالها وجنوبها، أضحت اليوم 1159 مدرسة، فضلا عن مؤسسات التعليم العالي المنتشرة في سائر محافظات السلطنة.

إنَّ المتتبع لفلسفة بناء الدولة العصرية التي قادها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- يُدرك يقينا أنَّ التحولات النوعية التي شهدتها السلطنة خلال العقود الماضية في جميع المجالات، وقطاع التعليم على وجه التحديد، وصلت إلى ما وصلت إليه بفضل الله وبُعد النظر والحكمة الثاقبة والعبقرية الفذة التي تجسَّدت في شخصية جلالته كرجل دولة، وصاحب رسالة سامية، والذي عبَّر عنها جلالته ذات يوم لجريدة السياسة الكويتية، قائلاً: "إن مُتعتي هي أن أرى بلدي وأرى شعبي بالصورة التي تخيلتها من أوَّل يوم تسلمت فيه السلطة... إنني أشعر بأنني صاحب رسالة ولست صاحب سلطة؛ لذلك ترى وقتي مكرسًا من أجل عُمان وأهلها، ولعل سر الولاء يكمن هنا في هذه الناحية وتحديدا ناحية تماثلك بأهلك وتفرغك للعمل من أجلهم..".

أجيال عُمان اليوم: أولياء أمور، تربويين، معلمين، طلاب، عليكم اليوم مسؤولية عظيمة تتمثل في القراءة المتأنية لمنهج المدرسة القابوسية التي نفضت عن أرض عُمان المباركة غبار الأمية، وأضاءت شموع العلم والمعرفة حيثما كان الإنسان، في السهل والجبل، في الساحل والداخل، في الشرق والغرب، في الشمال والجنوب، درس من دروس الحكمة والإصرار والتحدي الذي أعلن عنه المعلم الحكيم، وصدحت في سماء الوطن كلماته السامية، لتشنف الآذان لذلك الوعد التأريخي، فقال جلالته: "سنعلم أبناءنا ولو تحت ظل الشجر"، لم يكن الطريق لتحقيق ذلك الوعد بالأمر اليسير، ولا يجب أن يتم اعتبار أن النهضة التعليمية التي شهدتها السلطنة جاءت كعمل تراكمي تعاقب مع الأيام؛ إذ لو كانت كذلك، لسهل على غيرنا تحقيق ما وصلنا إليه.

من أدرك العقود الثلاثة الأولى من مسيرة النهضة المباركة وما قبل النهضة، يدرك اليوم نعمة التعليم التي أصبحت متاحة وقريبة المنال، فلم تكن كذلك فيما سبق، أدركت مرحلة التعليم في أواخر عقد الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، والتي كانت مدارسنا في الخيام، وقيل لي قبل ذلك، كانت تحت سعف النخيل (العريش)، هناك الكثير من التفاصيل التي يمكن الحديث عنها فيما يتعلق بمنغصات التعليم في تلك المرحلة وما قبلها، لكنها كافية، لنشعر بحجم التحديات في الماضي، ونتطلع لتحقيق الأمنيات التي رسمها جلالته -حفظه الله ورعاه- وهو يعد بنهضة تعليمية ماجدة وأكثر إشراقًا لهذا الوطن العزيز.

على كلِّ من أدرك تلك المراحل العصيبة، وكيف كان التعليم، وكيف أصبح الآن، أن يحكي لأجيال اليوم، يحكي لهم؛ ليتعلموا من مدرسة قابوس: الإصرار، التحدي، المثابرة، الإخلاص في العمل، حمل أمانة العلم والذود عنها، المشاركة في النهضة التعليمية كل حسب إمكانياته والمحافظة على مكتسبات هذا الوطن العزيز.

وبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت...،

Saif5900@gmail.com