قابوس.. منهجا لصناعة القادة

 

سيف بن سالم المعمري

 

تمرُ على العُمانيين في مثل هذه الأيام من كل عام ذكرى عزيزة، هي ميلاد نهضة تنموية شاملة نقلت عُمان من مرحلة اللاشيء إلى دولة عصرية يقف العالم لها إجلالاً وتقديرًا، لما تحقق على أرضها المُباركة، لتمثل فصلا آخر من فصول التجربة الحضارية لإنسان عُمان، والتي كانت-أي عُمان- أحد أهم مواطن الحضارات البشرية في العالم، وإليها كانت ولا تزال تيمم النفوس الباحثة عن الطمأنينة والسكنية والسلام.

من يقرأ في تاريخ الحضارات البشرية يجد في الحضارة العُمانية تفردها عن بقية الحضارات، فقد كان الإنسان أحد أهم مفرداتها التي أكسبتها ميزة نسبية عن مثيلاتها، أما الإنسان الذي عاش في عُمان منذ العصور القديمة وحتى الآن فقد سطر بإرادته وشكيمته ما أصبح محل نقاش ودراسات مستفيضة من المتخصصين في العلوم الإنسانية بمختلف تفرعاتها، أما دلائلها فهي كثيرة جدًا قد لا يتسع المجال للتفصيل فيها، ونذكر بعضها على سبيل المثال فبناء القلاع والحصون والأبراج والأفلاج شاهد على عبقرية الإنسان العُماني في مجال الهندسة المعمارية، وشق قنوات المياه والري والزراعة، واللقا الأثرية والكتابات والنقوش والمدافن شاهدة على التطور المعرفي الذي عرف عن الإنسان الذي استوطن عُمان.

ثم تتعاقب العصور والفترات التاريخية وتتبوأ الحضارة العُمانية قصب السبق في مد جسور التواصل والتكامل بينها وبين مثيلاتها في الشرق والغرب، ثم يبزغ فجر الثالث والعشرين من يوليو عام 1970م، ليكون ميلادًا لحضارة عصرية وامتدادًا للإنجازات البشرية لإنسان عُمان، وإن كانت نقطة الانطلاقة لبناء الحضارة العصرية الوليدة كان شاقًا، لكن إرادة إنسان عُمان قهرت كل التحديات، فلم يكن طريق البناء أمام السلطان الجديد المتوهّج حبًّا في رؤية وطن عظيم، كان ذلك يوم وطن ذي شهرة وقوة، ومكانة في عالمه العربي، فقد راهن القائد على إنجاز عهده بإرادة شعبه وتعاونهم واتحادهم، وكان لتلك الإرادة بعد نظر وعبقرية فذة من قائد لم يستسلم ولو للحظة آنية لعظم المسؤولية التي قطعها عهدًا على نفسه، فانشغل بالبناء، فطاف البلاد، شمالها وجنوبها، شرقها وغربها، جبالها وسهولها، أوديتها وشواطئها، لم يكن تشغله السلطة على الرسالة، وهو الذي عبر عنه جلالته في أحد حواراته الصحفية مع جريدة السياسة الكويتية عام 2006.. قائلاً: "إن مُتعتي هي أن أرى بلدي وأرى شعبي بالصورة التي تخيلتها من أوَّل يوم تسلمت فيه السلطة... إنني أشعر بأنني صاحب رسالة ولست صاحب سلطة؛ لذلك ترى وقتي مكرسًا من أجل عُمان وأهلها، ولعل سر الولاء يكمن هنا في هذه الناحية وتحديدا ناحية تماثلك بأهلك وتفرغك للعمل من أجلهم..".

منهج القيادة الذي انتهجه حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم-حفظه الله ورعاه- في بنائه للدولة العُمانية يستحق أن يكون منهجاً لصناعة القادة، قائد استطاع وخلال خمسة عقود من البناء الشاق أن يرسم خارطة جديدة لحضارة إنسانية، والمنطلقة من ثوابت سامية نبيلة هدفها وغايتها وأداتها الإنسان، وإن كان الشأن الداخلي قد كان شغله الشاغل حتى تحقق ما وعد به شعبه في اليوم الأول لميلاد النهضة إلا أن الشأن الخارجي لم يقل اهتمامه به، فكان ولا يزال المرجح لمبدأ السلام والداعم للحوار البناء في كل ما من شأنه الرقي بالإنسان وتحقيق العيش الكريم والحياة الآمنة المستقرة واحترام العقائد والأديان.

إنَّ ما يعصف بالعالم أجمع وبمنطقتنا العربية على وجه التحديد من مُناكفات وتوترات سياسية داخلية وخارجية ووقوف الدبلوماسية العمانية بحيادها الإيجابي على مسافة واحدة من الجميع، والمساهمة الفاعلة في ترجيح الحوار لكل الخلافات في أعقد القضايا الدولية، أكسب السلطنة احترام الجميع، ذلك كان واقع الدبلوماسية العُمانية والذي ترجمه الفكر النبيل لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم-حفظه الله ورعاه- والذي كان جلالته في ذات يوم يتحدث قائلاً:"أريد أنظر إلى خارطة العالم ولا أجد بلدا لا تربطه علاقة صداقة بعُمان".

فهاهي عُمان تتزين بأبهى حللها، وتتوشح بإنجازاتها، ويقف العالم احتراماً وإجلالها لقيادتها، وللإنجازات التي تحققت على أرضها المباركة.

فبوركت يا قابوس على مدى الدهر سلطانا كريما وقائدا عظيما .

Saif5900@gmail.com