رسائل الجمعة اختفت!

طالب المقبالي

في صَباح يوم الجمعة الماضي، الذي صادف أول أيام عيد الفطر المبارك، اختفتْ رسائل الجمعة التي كانت هواتفنا تئِن من حملها، وكأنْ لم تعُد جمعة هذا اليوم جمعةً مباركةً ولا جمعةً طيبة، وأخشى ما أخشاه أن لا تكون هناك صلاة جمعة.

فقد تهافتْ الجميع إلى موائد العرسية، والهريس، والمضروبة، والعصيدة، وضاعت صلاة الجمعة بين المسالخ لذبح الأضاحي، وإن كانت في الواقع ليست بالأضاحي كما هي في عيد الأضحى المبارك، ولكن من عاداتنا القديمة في كثير من ولايات السلطنة أن يُصَاحِب الاحتفال بعيد الفطر المبارك ذبح الأغنام والأبقار والإبل من أجل الشواء والمشاكيك، فبقدر ما هي مكلفة ماديًّا، وعادة غير ملزِمة شرعاً، إلا أنها من العادات الجميلة التي توارثتها الأجيال من أجل اللمة والإلفة في التجمُّع الأسري بين أفراد الأسرة وبين الجيران.

لقد تلقيت أكثر من ألف وثلاثمائة رسالة تهنئة بالعيد، وبرغم هذا الكم الهائل من الرسائل لم أجد من بينها رسالة واحدة عن الجمعة؛ مما يدل على أن إرسال رسائل الجمعة ما هو إلا عادة اعتاد عليها الناس، وتدحض الحجة التي يدعيها البعض بأنها رسائل تذكرنا بالدعاء والتضرع إلى الله تعالى والتقرب إليه، هذه الرسائل اختفت اليوم، فهل أصبحنا لسنا بحاجة إلى التذكير بالله في حضور أطايب الطعام وموائد اللحوم.

فأين المدافعون عن رسائل الجمعة؟ وأين المتعصبون والمدافعون عن هذه الرسائل؟ والغريب أن رسائل الجمعة ليست وحدها التي اختفت هذا اليوم، وإنما رسائل تحايا الصباح والمساء، ورسائل الساعة العاشرة التي ابتدَعَها البعض، كل هذه الرسائل اختفت، فلا صباح ولا مساء، ولا جمعة، لقد نسيناها، فمن النعم التي أنعم الله بها علينا هي نعمة النسيان، ولكن ليس لنسيان الجمعة، وإنما نسيان المحن والصعاب.

وحتى لا أستهلك الوقت في موضوع رسائل الجمعة، هناك مطالب بالكتابة عن ماضينا الجميل، فبعد خروجي من مصلى العيد طالبني بعض الأخوة الأعزاء بكتابة مقال عن العيد وعاداته بين الماضي والحاضر؛ لما لمسوه في بعض مقالاتي من مقارنة بين الماضي والحاضر؛ فهناك من الشباب من يستأنس لسماع قصص الماضي، فيجدون المتعة في استرجاع تلك الذكريات التي قد تبدو لدى جيل اليوم صعبة وقاسية، فيما يجدها الجيل السابق ذكريات جميلة تمتزج بالبساطة والمتعة، بعيداً عن الترف والمبالغة في الاحتفالات، وقد تطرقت إلى بعض العادات القديمة في الأعياد في مقالات سابقة، وهي مدونة في الإصدار الأول من كتابي "رسائل"، الذي صدر هذا العام، وتم توقيعه في معرض مسقط الدولي للكتاب 2018م، حيث اشتمل الكتاب على مائة مقال حافلة بالقصص والذكريات الجميلة عن الماضي بحلوه ومره، فما إن وقع الكتاب في يد قارئ إلا وأعجب بالمقالات التي نشرت فيه.

فالتطرُّق إلى تلك العادات هو تكرار لما كتبت، ولكن في مقالات قادمة سوف أتطرق -بإذن الله- إلى جوانب أخرى من العادات الجميلة التي أخذت في الانقراض، وما تبقى منها قد تعرَّض للتحريف.

muqbali@gmail.com