خلف القضبان أو خارج الحدود

طالب المقبالي

muqbali@gmail.com

في الوقت الذي تتنامى فيه وتتعاظم الميزانية العامة للدولة بفضل ارتفاع أسعار النفط إلا أن البيوت مكتظة بالباحثين عن العمل، وفي ذات الوقت أصبحت قاعات المحاكم في البلاد مكتظة بقضايا المسرحين من أعمالهم، مما آل بهم الحال إما خلف قضبان السجون أو خارج الحدود هربًا من الملاحقة والسجن.

أعرف صديقًا عزيزًا خسر في تجارته مما أدى إلى تراكم الديون فأصبح ملاحقًا بالقضايا، وقد عُمم عليه، وعلى إثر ذلك أصبح بدون عمل، وفي نهاية الأمر فرَّ إلى خارج البلاد وترك خلفه أمه وزوجته وأولاده الصغار تحت رحمة المحسنين. والغريب أنه وجد أعدادًا من أمثاله في تلك البلاد التي هرب إليها وهم يصارعون الحياة ويتحملون قساوة الغربة وشظف العيش في البحث عن لقمة يقتاتون بها كذلك المأوى في تلك البلاد الغريبة.

فما الذي يحدث؟ شركاتنا المحلية تستقبل العمالة الوافدة التي أصبحت تسرح وتمرح في البلاد طولًا وعرضًا ويتمتعون بخيرات الوطن ويحولون ثرواتها إلى بلدانهم، بينما تُسرِّح الشركات أبناء الوطن.

لقد أصبح أولادنا يتوسلون إلى العامل الوافد كي يشغلهم ليجدوا مبالغ للمواصلات للبحث عن عمل، فمنهم من يقبل بالعمل بمبلغ يتراوح بين 100 ريال و150 ريالًا، في الوقت الذي أصبحوا يحلمون بالحد الأدنى المذل والذي قدر بـ325 ريالًا وهو لا يسمن ولا يُغني من جوع.

لا أخفيكم أن في بيتي ثلاثة باحثين عن العمل، إحداهم خريجة في جامعة السلطان قابوس كلية التربية قسم لغة إنجليزية بتقدير ممتاز، وهي قابعة في المنزل منذ سنوات، في الوقت الذي يتم فيه استقدام المعلمات من خارج البلاد. والآخر تخصص تقنية المعلومات وقد تخرج منذ 3 سنوات أو يزيد وأصبح يبلغ من العمر 25 عامًا، وفي مثل عمره كان لدي 4 أولاد، فهذا الولد متى سيعمل، ومتى سيبني بيتًا ومتى سيتزوج ويستقر في بلاد تنعم بالخير؟ هذا مثال لآلاف الباحثين عن العمل. لقد سعى إلى الالتحاق بالمؤسسات العسكرية لكن رُفض بسبب الوزن الناقص.

شركة من الشركات وعدته بالتوظيف وسجلته في التأمينات الاجتماعية، واتضح لاحقًا أن تسجيله في التأمينات من أجل تسهيل استقدام عامل أجنبي. هكذا يُستغل أبناء عمان ليكونوا أداة لتوظيف غير العمانيين. لقد كتبت أنا وعديد من الكتاب الصحفيين في هذا المجال ولكن لم نرَ أي ردة فعل.

الأمور تسير على هذه الوتيرة، والغريب أنَّ الكل يدرك ذلك؛ لأن مواقع التواصل الاجتماعي تضج بمثل هذه المطالب وقد بلغت صدارة المناقشات في تويتر وغيره ولكن ذلك لم يُحرك المسؤولين قيد أنملة.

أما قضايا المسرحين فتزداد يومًا بعد يوم في ظل غياب مساءلة الشركات التي تسيطر على إداراتها العليا العمالة الوافدة التي تسرح العماني لتفسح المجال لاستقدام العمالة الوافدة من ذات البلد.