تحقيق العودة مرهون بإنجاز الوحدة

عبدالقادر عسقلان

الجموع التي خرجت لتأكيد حقهم في العودة للوطن في فلسطين، والتي واجهت بصدورها العارية قسوة المحتل برصاصه وعبر إشهار العلم الفلسطيني، وسقوط العشرات منهم شهداء والمئات من الجرحى، هؤلاء ألا تملي شجاعتهم على قادة هذه الأمة ضرورة العمل على وحدة الصف والإيمان الحقيقي بوحدة الوطن؟

لا تجعلوا هذا الإيمان بحق العودة يضعف بغياب وحدة الكلمة ووحدة الإيمان بهذا الحق؛ فمسيرة العودة حتى تحقيق الهدف الذي سارت من أجله، يجب أن نعمل على توحيد صفوفنا لدعمها من أجل تحويل الحلم إلى واقع.

إن هذه المسيرة أثبتت أنَّ القضيةَ الفلسطينيةَ لن تموت، وأن الشعب الفلسطيني شعب أتقن المقاومة، ولديه القدرة على إفشال كافة المخططات الاستيطانية التي تُحاك ضده؛ لهذا ومن أجل استمرارية هذه المقاومة وصمودها، واستعادة الوطن، فإن وحدة النضال والمقاومة حتمية، ومثل هذه التجمعات والمسيرات تؤكد للعالم استمرار وجود وطن محتل، وأن هذا الشعب لا يرضى بغير العودة إلى أرض الوطن، وهذا بحد ذاته يشكل الخوف الدائم للصهاينة، ففي الأعوام من 1952 وحتى 1954، حاولوا توطين الفلسطينيين في صحراء سيناء بدل فلسطين، لكن وحدة شباب فلسطين الذين وقفوا في وجه هذا المشروع وإيمانهم بحقهم في وطنهم ووطن أجدادهم ومن بعدهم أحفادهم هو سر بقاء القضية الفلسطينية حتى الآن، ولن ينعم الصهاينة بالاستقرار ما دام أبناء فلسلطين يواجهون هذا المخطط مُتحدين.

وما يُقال عن أن مشروع توطين أهل فلسطين في سيناء قد أعيد طرحه، وتُتخذ الآن الخطوات اللازمة من أجل تنفيذه بمساعدة دول عربية، لابد من التحذير من أن يتم تنفيذه في ظل غياب القيادة الموحدة للفلسطينيين.

لا بُد من وجود القيادة الموحدة الفلسطينية حتى تقف أمام التآمر الأمريكي الصهيوني الذي يهدف لطمس حق العودة وتكريس الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، كما أن المخطط الذي يُرسم للمنطقة العربية هو إيجاد الوسائل التي تجعل العرب في حالة اقتتال دائم مع بعضهم، فلا تساعدوهم على ذلك من خلال اختلافاتكم واقتتالكم، بل واجهوا هذه المخططات بوحدتكم، فنحن نريدكم قيادات تؤمن بشعوبها ووطنها لا قيادات تؤمن بزعامتها وطموحها الشخصي، وفي هذا المجال فإننا لا نعفي حكومات أكثر الدول العربية من مساهمتها في تعزيز هذه الانقسامات في الصف الفلسطيني وفي الصف العربي وتقوية الكيان الصهيوني؛ فمنذ النكبة وحتى اليوم لم يتلق الفلسطينيون من هذه الحكومات سوى التآمر والعمل على تكريس الانقسام، حتى إنها لعبت دورا كبيرا في حماية إسرائيل، وهو ما يدور الآن في هذا الوقت بشكل واضح ودون أي حياء.

لذلك؛ فإنَّ الممصالحة الفلسطينية وتكريس الوحدة الوطنية وخيار المقاومة هو حتمي حتى لا يتسنى للأعداء من الاستفادة من هذا الانقسام، وتكريس وجودهم على أرضنا، إضافة إلى تمتعهم بالإمان والاستقرار.

كرِّسوا الجهود لخيار الدولة الواحدة التي تكرس الديمقراطية كنظام قيادي يتساوى به الجميع كما هي الحال في العالم المتقدم، كونوا على يقين بأن العودة لا بد لها من وحدة، وعلينا أن نعرف أننا نقف على مقدمة طريق إما أن نكون أو لا نكون، وإذا لم تعملوا كقادة على استنهاض إمكانيات الشعب الفلسطيني دائم التضحية، والاستعداد للبذل والعطاء من أجل استعادة حقوقه، فسيبقى حق العودة بعيد المنال.

ليكُن معروفًا لدينا أن المصالحة من أجل مصلحة الوطن لا تحتاج وساطة، خاصة وإن كانت هذه الوساطة ليست من جهة مُحايدة، ولها ارتباطات مع جهات يهمها أن يبقى الخلاف قائما بين القيادات الفلسطينية، وأن واقع الآن والمحنة التي نُعاني منها هي التي تفرض المصالحة لأن مصلحة الوطن والشعب فوق كل اعتبار، والاحتلال لم يُبق لأيٍّ من القيادات المتنازعة أيَّة سيادة، وعلينا الاعتماد على أنفسنا من أجل أن نحافظ على وحدتنا ووجودنا، وبالدرجة الأولى استعادة أرضنا، وتحقيق حق العودة، وهذه هي واجبات القيادة التي تهمها مصلحة الوطن والأمة.