تمويل قتل البشر

 

عبدالقادر عسقلان

كلنا يعلم بأنَّ كلمة التمويل تقترن بالتنمية.. بالعمران.. بازدهار الاقتصاد، لكننا الآن نرى أنها قد أصبحت تقترن بدعم الإرهاب والعصابات التي تقوم بقتل البشر وهدم البيوت وتشريد أهلها.

في السابق كلنا يعلم كيف كان يجري تمويل أجهزة المخابرات للجواسيس والعملاء من أجل حيك المؤامرات والدسائس والتجسس على معارضي الوجود الأجنبي والحكومات التي تسير في ركابها في بلادهم واغتيال كل من لا يسير وفقاً لمخططات الدول الاستعمارية التي لا يهمها إلا تحقيق مصالحها في هذه الدول واستمرار الحكومات التي تسير في فلكها وكانت تدفع الأموال لهؤلاء العملاء والجواسيس وكانت أجهزة مخابرات هذه الدول أنشط ما تكون في بلادنا العربية ولديها من العملاء ما يجعلها تستطيع التحكم في سياسات أكثر هذه الدول وكان نشاط هذه الأجهزة في بداية الأربعينيات من القرن الماضي مقصوراً على تمويل بعض ضعاف النفوس في بعض البلدان من أجل التجسس على حكوماتهم وشعوبهم وعلى الوطنيين الأحرار منهم حتى يتم رسم السياسة من قبل هذه الدول في كيفية السيطرة والتحكم في هذه الأقطار وجعلها تسير في فلكها ضد مصلحة بلادهم وبذلك يتم الاستيلاء على خبرات ومقدرات وثروات هذه الأقطار وفقاً لهذه السياسات على هذه البلدان بالأقطار المستعمرة وبذلك فقد وصف الشاعر العربي الجواهري الدول:

يلوى به عصب البلاد وتُشترى   ذمم الرجال وتحجز الأفكار

في بداية عام 2015 وبعد أن برزت بعض الحكومات لدول عربية لم ينفع فيها زرع مثل هؤلاء العملاء على أرضها، وأصبح لا يكفي جهود هؤلاء العملاء والجواسيس ليحققوا ما يخططون له، بدأ التفكير في خلق جماعات وعصابات تمثل اتجاهات مختلفة أو رجال مرتزقة ينفذون ما يملى عليهم، واستغلت في تشكيلها كافة الخلافات الدينية والسياسية والعقائدية والعنصرية والطائفية الموجودة في بعض الدول العربية كسوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها، وبدأوا أولا بتشكيل تنظيم رفع شعار الدين (لا إله إلا الله) في حربهم ضد العرب والمسلمين في هذه الأقطار، بدعم وتنظيم وتمويل أمريكي صهيوني -ومع الأسف عربي أحياناً- وقد جلبوا لهذا التنظيم عناصر من شذاذ الآفاق ومن مختلف بقاع الأرض ليكونوا جنودا في هذا التنظيم وأمدوه بالمال والسلاح والخبرات ودربوهم على القتال ليمضوا قتلاً في البشر وهدما في البيوت بتمويل خارجي وعربي فأحلوا القتل والنهب والسرقة والزنا باسم الدين وأطلقوا عليهم تنظيم الدولة الإسلامية، وجلبوا له رجلاً صهيونياً يعمل في جهاز الموساد الإسرائيلي الصهيوني أطلق عليه اسم أبوبكر البغدادي والذي أطلق عليه إمام المسلمين مع أن اسمه الحقيقي إبراهيم عواد إبراهيم علي البدري السامرائي، انعدم الأمن والأمان في المناطق التي سيطر عليها هذا التنظيم والذي أعطي صفة الدولة وبذلك سمي بتنظيم الدولة، وبهذا التنظيم بدأت الدول الاستعمارية وبعض الدول العربية التي تسير بفلكها في المناداة بمحاربة الإرهاب الذي تمثل بتنظيم داعش، وبحجة محاربة الإرهاب فرضوا أنفسهم لدخول العراق وسوريا، فمرة يفتعلون الحرب الصورية معه ومرة يحمونه من هجمات الجيش السوري والعراقي ويمنحونه التغطية العسكرية اللازمة فمن أتى بحجة محاربة داعش كان الدور الرئيسي له هو الحجر وإضعاف البنية التحتية لهذه الدولة وهدم اقتصادياتها وتشريد أهلها حتى تصبح منهكة عسكريا واقتصاديا ومعنويا ولديها الاستعداد لقبول أية حلول تصب في مصلحة وأمن الدولة الإسرائيلية، ومن أجل ذلك صرفت البلايين من الدولارات من دول أجنبية ولدول عربية والتي طالب مؤخرًا رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الدول العربية بدفع ما قامت بلاده بتحمله من هذه المصاريف إضافة إلى المصاريف التي تم صرفها لحماية هذه الدول والمحافظة على أنظمتهم ووجودهم وطالبهم بردها سريعاً فخروا صاغرين من أجل المحافظة على وجودهم فقاموا بالدفع إضافة إلى ما قاموا بدفعه مباشرة إلى هذه العصابات التي زعزعت كيان أكثر دول المنطقة ونتيجة لدفع هذه الأموال ارتبكت ميزانياتها واحتياطاتها وأصبحت تلجأ إلى الاستدانة ونتائج ذلك ستظهر لاحقًا وقد بدأت.

فالدور التخريبي الذي قامت به بعض الدول العربية في العراق وسوريا وليبيا واليمن بأوامر أمريكية وصهيونية من أجل استنزاف مقدرات هذه الدول وعلى لسان أحد قادة الدول والذي كان له دور أساسي في هذا الدور التخريبي وفي مقابلة معه أكد أن ما أنفق على الحرب في سوريا من يوم انطلاقها وحتى تاريخ وجوده في السلطة تجاوز 140 مليار دولار وأضاف أنه كانت تصرف على دفع إغراءات إلى أفراد الجيش السوري وكان للجندي سعر وللضابط سعر ولقادة الجيش سعر وحتى بعض المسؤولين والوزراء سعر وختم هذا المسؤول تصريحه بقوله لقدر لعبنا دورا كبيرا في تدمير سوريا ومصر وليبيا واليمن وجميعها كانت بأوامر أمريكية.

إن من يسمون أنفسهم بالمعارضة السورية المسلحة التي تستمد التمويل والدعم العسكري من دول مع الأسف عربية وتقوم بهذا الدعم بهدم بيوت الأهل وتشريدهم وقتلهم تحت اسم معارضة الحكم فالشعب يقتل ويشرد وهم يقبضون ويقيمون بأفخر الفنادق في إسطنبول ونسوا أن المعارضة الشريفة التي يهمها شعبها ووطنها تقاوم وتعارض الحكم من خلال مقاومة الشعب الذي تنتمي إليه لأنه هو المسؤول عن بقاء الحاكم أو إزالته وليس الارتماء بأحضان أعداء الوطن واستلام الدعم المادي والعسكري منهم من أجل تنفيذ مخططاتهم فهؤلاء هم خونة لأوطانهم وليسوا معارضين ولو قدر لهم أن يستلموا زمام الأمور بمثل هذا الدعم فكيف سيتسنى لهم أن يحكموا شعباً شرد وقتل وأهين على أيديهم وليس الشعب السوري الذي يمكن أن يغفر لمثل هؤلاء المرتزقة ويتعامل معهم كمواطنين على أرضه، أليس هؤلاء المرتزقة يقيمون لدى الدول التي تمولهم من أجل استمرارية الحرب التي يشنونها على من كانوا  أهلهم وبلدهم فكيف يمكن أن يكونوا قادة لهذا الأمة الآن منهم ألد أعداء الوطن كما قال الفنان زياد الرحباني:

"إن الأموال التي صرفت على المرتزقة السوريين تكفي لتعليم البلاغة والرقص والعزف على البيانو لكنها لا تكفي لتعليم الحمير معنى الوطن".

كيف كانت سوريا قبل 7 سنوات وكيف أصبحت الآن 7 سنوات وهؤلاء المرتزفة أنصاف المثقفين وعبيد الدولار ومعهم حكام من الأعراب استخدموا المال الذي وهبه الله من أجل تنمية مجتمعاتهم وازدهارها استخدموه لهدم وتدمير وتشريد سكان الوطن العربي الكبير وما فعله هؤلاء المرتزقة في سوريا أن أعادوها ألف سنة إلى الوراء وساعدوا الأعداء على عدم اعتبارها كدول مواجهة لهم بعد أن نالت منهم الحرب ما نالت فأين هي دول المواجهة الآن؟

جعلوا الوضع في سوريا مشوشا وخطيرا وكلما لاح أمل باقتراب نهاية الحرب قاموا بضخ دفعة إنعاش قوية لما يسمى بالمعارضة بالسلاح والذخيرة والأموال من أجل استمرارية الحرب لكن نشوة الانتصار على هؤلاء المرتزقة ستعيدها إلى دولة مواجهة بعزيمة أقوى وتجربة صلبة ستفاجئ الأعداء بإذن الله.