"فلسطين" بين أحجار الرحى

 

عبدالقادر عسقلان

أكتب هذا المقال وأنا أعلم أن القضية الفلسطينية هي في قلب وعقل كل عربي؛ بل وربما تكون القضية الوحيدة التي يتفق عليها كل الشعب العربي، لذا فأنا أتحدث بضمير كل فلسطيني، وكل عربي، وكل مسلم، وما دفعني للكتابة هو البيان الختامي للقمة الإسلامية في إسطنبول الذي طالب بوقفة إسلامية قوية أمام جرائم الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية، وما يرتكبه من جرائم في قطاع غزة، واستغرب من هذا البيان فيما بعض من الدول المشاركة في إصداره سواء إسلامية أو عربية، تقوم الآن بتطبيع علاقاتها مع من يطالبون بوقفة قوية ضدهم لما يرتكبونه من جرائم ضد الشعب الفلسطيني الذي يقاوم من أجل استعادة أرضه.

وفي الوقت الذي طالبت فيه القمة الإسلامية بوقف الاتجاه نحو نقل السفارة الأمريكية وأية سفارات أخرى إلى القدس، فهناك دول إسلامية وعربية قد اشتركت مع الرئيس ترامب على هذا الترتيب، لذلك لم يولد هذا الإجراء أي رد فعل عند هؤلاء، وما الاحتجاج الذي أبدوه إلا مظهر من مظاهر حفظ ماء الوجه، ولذلك فمثل هذه القمم وبياناتها لا يمكن أن يكون لها تأثير حقيقي لا على المستوى العالمي أو الإقليمي لأنّها لا تمتلك صدق النوايا في غالبية من يحضرونها.

كيف يمكن لدولة ترى نفسها عربية أو إسلامية أن تعلن تطبيع علاقاتها مع إسرائيل وفي نفس الوقت تدعي مساندة النضال الفلسطيني من أجل استعادة أرضه من الصهاينة، وتطعن هذا النضال بإقامة علاقات واتصالات مع دولة احتلال الأرض، وتعلن حق الصهاينة بها، فالنضال الفلسطيني أصبح بين أحجار الرحى، يناضل ضد الصهاينة المحتلين من جهة ويناضل ضد تطبيع العرب والمسلمين مع العدو الصهيوني.

فكيف يمكن للدول الغربية أن تقف بجانب الحق الفلسطيني وهم يرون الأهل وذوي القربى، يتجاهلون هذا الحق ويتسابقون نحو تطبيع علاقاتهم مع من اغتصب الأرض وشرد الأهل، وأصبح من يقف ضد استرجاع الحق هم عرب الجوار لهذه الأرض، وقد نسي هؤلاء العرب أن من يحاربهم الفلسطينيون هم أعداء لهم ولن يتركوهم بأمان إذا ما تمكنوا من الأرض الفلسطينية، وأصبحوا ينعمون فيها بالأمن والاستقرار، وإذا ما غاب النضال الفلسطيني عن المطالبة بحقه في أرضه ووطنه، فهذا النضال الذي يطعنونه بظهره الآن هو في الحقيقة نضال من أجل كل الوجود العربي في المنطقة، وسيكتشف هؤلاء المهرولون على التطبيع بأنّهم هم أيضا سيقعون تحت أنياب أطماع الصهاينة، وستبقى إرادة وتمسك الفلسطينيين بحقهم وأرضهم هو ما سيعيد الأرض والحق والوطن لأصحابها ويعيد الأهل إلى الديار، ويحمي العرب من الضياع والتشرد من قبل من يغتصبون أرض هؤلاء المناضلين المدافعين الحقيقيين عن الحق العربي.

للأسف هذا الموقف العربي تجاه الحق العربي هو المطرقة التي تهوي على رؤوس هؤلاء المناضلين المدافعين عن حقهم في استعادة أرضهم وعودة أهلهم إلى أرض الوطن، في الوقت الذي تمثل فيه الخلافات الفلسطينية -الفلسطينية السنديان وأحجار الرحى المسنونة التي لا تكسر عظام الفلسطينيين كما يفعل الاحتلال لكنّها تفتت حماسهم ووحدتهم وتغشي العيون عن الهدف الوحيد والمشترك للجميع وهو الاحتلال، فقوة اندفاع الصهاينة ومن ورائهم ترامب من أجل تحقيق صفقة القرن سببها الخلافات التي تتجذر لتشق صفوف الشعب الفلسطيني.

فهذي الخلافات تفقد النضال الفلسطيني قوته واستمراره، مسيرته وتبيح للصهاينة استمرار التفوق في سعيهم لتحقيق أهدافهم في الاستيلاء والسيادة على أرضنا، كما أن هذه الخلافات تكرس تشتيت الجهد والنضال، الفلسطيني وتضعف قوة وصلابة نضاله ويجعلنا نفقد هؤلاء الشهداء ونخسر الوطن ونخسر عناصر القوة التي تجعلنا نقف أمام أطماع الصهاينة، سواء كانت عسكرية أو سياسية. وهذه الانقسامات هي التي تساعد على تصدع قوة المساندة التي نحتاجها سواء كانت ما تبقى من العربية منها أو الدولية، فالدول الأجنبية لن تقف مع شعب منقسم على نفسه وتنخر فيه الانقسامات الحزبية، ولا أدري كيف يمكن لقادة هؤلاء الفصائل والأحزاب أن يضحوا بوطنهم من أجل الحفاظ على قيادتهم وزعامتهم، فإذا لم نعط في نضالنا الأولوية للوطن فإننا نخون وطننا وأمتنا، ونجعلها فريسة سهلة لما يخطط له الأعداء، ونعطي لليهود وضعا أمنيا يجعلهم يمتنعون عن تقديم أية تنازلات تصب في إعادة أرضنا ولم شمل شعبنا.

مصالح الفصائل ليست أهم من الوطن والدفاع عنه، وإن كان هنالك ما يستوجب التركيز عليه فليس هناك أهم من توحيد الوسائل التي نجابه بها الأعداء حتى لا يتغلبوا علينا بانقسامنا، فنبذ الخلافات التي تأصلت بين صفوف الفصائل أصبح حتميا حتى لا يبقى العدو الصهيوني متفوقا يحقق مخططاته، وسنبقى شعبا مشردا لا أرض له ولا وطن ولا دولة، فلنوحد صفوفنا وننهي خلافتنا ونجابه عدونا متحدين متكاتفين.

فالوطن فوق كل المصالح التي نتصارع من أجلها، تملي علينا الأحداث والمؤامرات والتحديات التي تهدف إلى نزع الأرض منا وتمزيق وطننا، وإبقاء تشردنا، ورفض المجتمع الدولي الدفاع عن حقوقنا، بأن نعمل على إنهاء هذه الخلافات والصراعات، وما لم نفعل ذلك فإنّ كل ما نقرره في اجتماعاتنا ومؤتمراتنا سيبقى حبرا على ورق وستبقى إسرائيل ماضية في مخططاتها من أجل السيطرة على ما تبقى من أرضنا وطمس قضيتنا وتشريد شعبنا.

فانبذوا خلافاتكم لنثبت بأننا شعب مصمم على الحياة، مصمم على استعادة وطنه والدفاع عنه، مصمم على العودة مهما بلغت التضحيات. ولتحيا فلسطين ويسقط من يخونها.