ثمار النمو الاقتصادي: كيف يمكن للشباب التقاطها؟

 

د. سيف المعمري

لا تزال الأوضاع الاقتصادية تثير جدلا لا يمكن لأحد أن يتجاهله؛ خاصة للمواطن العادي الذي تتوقف حياته على الدخل الشهري الذي يحصل عليه، وأيضا على الترقيات الدورية، وعلى ضبط الأسعار في السوق؛ مما يضمن له قدرا من الأمان الذي يجعله منطلقا في للحياة بدون هواجس، ونحن نعرف الترابط الكبير بين الأوضاع الاقتصادية والحياة الاجتماعية؛ ففي فترات الرخاء الاقتصادي تستقر الجوانب الاجتماعية والعكس يحدث حين تمر الحياة الاقتصادية بأزمات وانكماشات ناتجة عن ارتفاع في أسعار الوقود والخدمات والعقارات والتأمين...وغيرها من الجوانب التي يحتاجها المواطن في حياته، وهو الذي لم يحظَ بفرص كبيرة للاستفادة من ثمار فترات النمو الاقتصادي، وهي الثمار التي تحتاج مهارات كبيرة وعلاقات نوعية وتحالفات من أجل قطفها؛ لذا نود في ظل احتدام النقاشات حول الأوضاع الاقتصادية -خاصة خلال الفترة الأخيرة التي سيطر فيها ملف الباحثين عن عمل على النقاشات الشعبية، قبل أن تأتي التوجيهات السامية إلى مجلس الوزراء بتوفير وظائف إلى نصف عدد هؤلاء الخريجين- أن نطرح سؤالا جوهريا وإستراتيجيا وهو: على من تتساقط ثمار النمو الاقتصادي؟ أو من الذي يستطيع أن يحافظ على استمرار تدفق الدعم الحكومي في ظل هذه الأوضاع التي رفع فيها شعار المسؤولية الوطنية واجب على الجميع؟!

قد يرى البعض أن هذا السؤال يطرح في غير أوانه، وإشكاليتنا أننا نطرح الأسئلة الجوهرية في وقت متأخر دائماً، وقيمة هذا السؤال تكمن في أن الإجابة عنه تساعد على وضوح الرؤية التي يراد للمواطنين أن يدعموها ويتبنوها، وهي المضي للسوق والعمل فيه مهما كانت التحديات، لذا قرأنا الكثير خلال الأسبوعين الماضيين من بعض الكتاب أن الباحث عن عمل وأسرته يتحملون المسؤولية في إيجاد وظيفة بنسبة 90% وهي نسبة فيها تطرف كبير في التحليل السلبي لمسببات هذه القضية، منطلقين من أن الدافعية والرغبة عاملان كافيان للمشاركة في قطف ثمار اقتصادية، لكن مثل هذا الافتراض لا يمكن أن يصمد في ظل تعقد الحياة الاقتصادية والقوى التي تحركها؛ سواء كانت وافدة أو وطنية؛ لذا فإن الزج بالشباب في أية أعمال في السوق لن يفيد البلد ولا الشباب أنفسهم على المدى الطويل وسيخلق إشكاليات أخرى في ظل الاتجاه نحو رفع الدعم عن كثير من الخدمات، والتي بدأ البعض يبشر بها بصراحة كما ظهر من تصريح وزير الصحة مؤخرا، وكذلك الاتجاه نحو فرض ضرائب على الانتفاع ببعض الخدمات؛ وبالتالي سيخلق كل ذلك تحديا لتحقيق العدالة الاجتماعية حين يعجز الشباب عن قطف بعض ثمار الحياة الاقتصادية، لذا كيف يمكن أن نوجد بعض الحلول المستدامة لجعل الشباب ينخرطون في حقل المؤسسات الصغيرة والكبيرة، ويشاركون في قطف ثمار الحركة الاقتصادية! فإن الأمر يتطلب مجموعة من التحركات والتغيرات البنيوية في القطاع الاقتصادي، وألخص بعضها في الآتي:

أولا- قيام المؤسسات التشريعية والرقابية بدورها في تحقيق قوانين ذات جودة تؤسس لبيئة اقتصادية تتميز بالرقابة والمحاسبة والشفافية ومنع الاحتكار، ومنح الأولوية للشباب للمشاركة في الحياة الاقتصادية بجرأة وثقة؛ لأنهم يدركون أنهم ليسوا لوحدهم، وأن القوانين الموضوعة تكفل لهم المنافسة.. إنَّ إشكالية الشباب ليست مع التمويل فقط -رغم أهميته- فقد يحصل رائد الأعمال على مبلغ تأسيس لمشروعه، لكن لا يحصل على أولوية من المؤسسات الحكومية للتعامل مع شركته الناشئة؛ حيث تستمر هذه المؤسسات في التعامل مع الشركات الكبرى التي لديها كيانها ووجودها وقوتها.

ثانيا- لكي ينجح الشباب في قطف ثمار الحياة الاقتصادية باحترافية، لابد أن تتغير فلسفة مؤسسات التعليم ومناهجها؛ فهي اليوم لا تزال تقليدية في مناهج وأساليب تقويمها، وفقيرة في الخبرات العملية التي تقدمها للطلاب، ولقد أكدت الدراسات المتتالية مع البنك الدولي وغيره من المؤسسات هذه المؤشرات، وطالبت بإصلاح المؤسسات التعليمية، ولكن خلال عقد كامل من هذه الدعوات قاومت هذه المؤسسات أية إصلاحات جذرية توجد تغيير في إعداد الشباب لما يطالبهم به الجميع من حكومة ورجال أعمال...وغيرهم من الاتجاه للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، في وقت لم توفر مؤسساتهم التعليمية حواضن ابتكارية لهم، لذا فقطف ثمار اقتصادية جيدة يبدو صعبا ما لم تتغير مؤسسات التعليم من الداخل، أو يتم تغييرها من الخارج من المجالس المعنية؛ مثل مجلس التعليم أو الهيئة العمانية للاعتماد الأكاديمي.

ثالثا- لكي ينجح الشباب في قطف ثمار الحياة الاقتصادية لابد من تيسير حصول الشباب على أولوية في الدعم من المؤسسات المعنية في شكل أراضٍ للاستثمار في مناطق حيوية؛ سواء زراعية أو صناعية أو سياحية، ودعمهم أيضا ماليا لتأسيس مدارس وجامعات ومدارس حتى يتمكنوا من تغيير واقع الحياة الاقتصادية؛ فبعض الشباب يتساءل: كيف يحصل من هم أصلا موجودين ولديهم كياناتهم الاقتصادية الكبيرة بشكل مجزٍ، في حين يتم التقطير في الدعم على الشباب رغم مطالبتهم بالانخراط في قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

رابعا- لكي ينجح الشباب في قطف ثمار الحياة الاقتصادية، لابد من تحول الشركات العمانية الكبيرة التي يديرها رجال أعمال عمانيين لا يزالون في مراكز اتخاذ القرارات العليا إلى حواضن للشركات الصغرى التي يتم ربطها بها؛ فالارتباط الاقتصادي سوف يزيد من فرص نجاح الشباب في هذا القطاع.

لاشك أنَّ وجود فرص مدعومة للشباب للمشاركة في قطف ثمار النمو الاقتصادي يعد أولوية كبرى لتحقيق دخول مفيد للشباب إلى القطاع الخاص، والمشاركة في التنويع الاقتصادي، وتقليل عدد الباحثين عن عمل على المدى الطويل، وإن لم تجرَ تغييرات بنيوية في الحياة الاقتصادية ستفقد خطابات الاتجاه للقطاع الخاص الموجهة للشباب معناها، ويزداد عدد الفاشلين من الداخلين في هذا القطاع؛ وذلك الفشل لن يخدم أحدا، بل سيفاقم من الإشكاليات المتعلقة بملف الشباب والعمل.