كيف يمكن الاستفادة من رمضان بعد انقضائه؟

 

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

هناك أيام وشهور وأوقات تميَّزت عن غيرها، ونحن كمسلمين نعلم أنَّ الله تعالى ميَّز شهر رمضان عن سائر الأشهر بأنه أنزل فيه القرآن الكريم، وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر، وفيه حدثت انتصارات إسلامية كثيرة، وفيه تصفد الشياطين وتفتح أبواب الجنة.

وميزه الله تعالى بأن ضاعف فيه الأجور والحسنات، فصلاة النافلة فيه تساوي فريضة، والفريضة مضاعفة إلى أضعاف كثيرة.

ولذا نسأل: كيف يُمكن أن نستفيد من شهر رمضان الفضيل بعد انقضائه.

أولاً: فيما يتعلق بفوائد الصوم وفوائد هذا الشهر الفضيل فهي معلومة وكثيرة ولا تعد ولا تحصى، لاسيما وأنَّ الله تعالى اختصه بالرحمات والنفحات الإيمانية وبالكثير الذي لا يتسع المجال لذكره، فبعد هذا الشهر الفضيل لماذا لا نجعل أوقاتنا وحياتنا بعده وكأننا دائمًا فيه.

والملاحظ من غالبية المسلمين في هذا الشهر الفضيل تحولهم وفرارهم إلى الله تعالى وهذا عمل جيِّد بل قمة الامتياز، كذلك اهتمامهم الملحوظ بالقرآن الكريم وبإقامة الصلاة وتأديتها جماعة، والاهتمام أيضًا بأعمال الخير والبر والإحسان والمسارعة إليها وفيها، دليل على أنَّ الخير فيهم وبهم، إلا أن هذه العادات والأعمال تضعف وتتلاشى بعد شهر رمضان الفضيل.

إنَّ المتتبع لما نادى به الله تعالى يجد بأنه جلَّ جلاله أمرنا بذكره كثيرا، وأمرنا أولا أن نستعين في شؤون حياتنا كلها بالصبر والصلاة.

فلماذا حثنا جل جلاله على الاستعانة بالصبر ومن ثم الصلاة، أولا حتى نؤدي الصلاة نحتاج إلى الصبر عليها وعلى أدائها، وقبلا نحتاج إلى ما يمكننا من تحقيقها وأدائها على الوجه الأكمل، فالمثبطات لدى الإنسان كثيرة، أولها نفسه الأمارة بالسوء وثانيها الشيطان الرجيم وثالثها الهوى ورابعها الدنيا، وكل هذه المهلكات بحاجة إلى قوة وصبر على تجاوزهن وتخطيهن.

ثانياً: لماذا جل جلاله أمرنا بالاستعانة بالصلاة بعد الصبر، لأنها هي الصلة الموصلة إليه تعالى، وهي الأصل في تقوية علاقتنا به جل جلاله.

فمتى انفكت هذه العلاقة ونقطة التواصل بالله ومع الله نلنا الشقاء؛ إذ قال فمن أعرض عن ذكري فإنَّ له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى.

كذلك قال الله تعالى ما سلككم في سقر قالوا لم نكن من المصلين، إذن بالصلاة ومعها الصبر، نستطيع أن نكون وكان كل أوقاتنا في شهر رمضان، ذلك لأن الإنسان إذا أراد أن يصوم صوماً صحيحًا ولا يصلي فلا صوم له ولا فائدة من صومه، ما يعني بأنه إذا أراد أن يصوم. سيضطر إلى الانضباط بتأدية الصلاة في أوقاتها ويشكلها الصحيح الذي أخبرنا به الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

إذن الشيء الأول الذي يمكن أن نجنيه ونستفيد منه بعد انتهاء شهر رمضان، هو المحافظة على الصلاة مثلما حافظنا عليها جماعة في أيام الشهر الفضيل، فامتلاء المساجد في شهر رمضان، دليل على أن المُسلمين بهم خير، وأنهم محبون لله تعالى وعلى الدوام متصلين به جلَّ جلاله، فقط يحتاجون إلى إرادة وتذكير ومواساة ومراعاة وهمة وعزيمة.

إن في شهر رمضان الفضيل كثرت أعمال الخير والبر والإحسان وقراءة القرآن الكريم تلاوة وحفظًا، فلماذا بعده لا نحافظ على كل ذلك.

إنَّ الالتزام بما أديناه وقمنا به من عبادات وطاعات في شهر رمضان الفضيل يحتاج إلى نية ومجاهدة وتطبيق عملي، فكل الذي ذكر بأنه ناقض للصوم، علينا أن نبتعد عنه بعد الشهر الفضيل، فحتى تستقيم حياتنا ينبغي أن يكون حالنا وكأننا في شهر رمضان، فبعد هذه الحياة هناك حياة طويلة أبدية، فكل منَّا مطالب بأن يقدم لحياته وليس في حياته، أي الحياة المستقبلية الحياة الأخروية بعد الموت الذي نحن مطالبون بالاستعداد له.

وزيادة الوعي والصحوة الإسلامية في أقطارنا التي نلاحظها في هذا الشهر المبارك، فإننا بحاجة لها بعده، وعلينا أن نجعل ما عشناه في هذه الأيام من روحانيات وإيمانيات، ملازم لنا طوال العام، ولنحمل معنا بعد انقضاء شهر رمضان زادًا كبيرًا يعيننا على الاستقامة والصلاح والإصلاح، ولنبقى مثلما كنَّا فيه، حتى نلاقيه مرة أخرى أن كتب لنا، ونحن في نفس المسار والقوة والأعمال الصالحة.

بوجود الدين في حياتنا، ستصطلح أحوالنا وسينصرنا الله تعالى على عدوه وعدونا، وسيجعل مجتمعاتنا آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا، وسيكفينا وهو السميع العليم.

تقبل الله منَّا جميعا صيامنا وقيامنا وصالحات أعمالنا، وأعاننا تعالى على ذكره وشكره وحسن عبادته.

تعليق عبر الفيس بوك