سلطان السلام وأمير الإنسانية

 

 

عبدالله العجمي

مَعَ كلِّ ضائقة، هناك بارقة أمل تلوح لنا من بعيد؛ فالمعطيات الأخيرة للحراك السياسي الكثيف بين إيران ودول الخليج، تعتبر هي بارقة الأمل التي تحلم بها شعوب المنطقة في ظل الوضع الإقليمي المعقد جدا، والتجاذبات الدولية المنعكسة آثارها على عالمينا العربي والإسلامي. وكلنا أمل في أن تتمخَّض عنها حلحلة لمشاكل المنطقة؛ لترسم البسمة -بعد سنوات مريرة من الألم- على وجوه أطفالٍ وجدوا أنفسهم في خضم حروب لا ناقة لهم فيها ولاجمل، لا سيما وأنَّ المشهد السياسي الحالي بشكل عام يدعو للتفاؤل، خاصة بعد لقاء سلطان عُمان وأمير الكويت، هذين الزعيمين الحكيمين اللذَين ستُطوى على يديهما -بحول الله- صفحة قاتمة في تاريخ المنطقة، دون أن يفقد الطرفان المتحاوران عناصر الاحترام المتبادل لبعضيهما. وحتما سيُسجل هذا الانجاز الجديد بجوار إنجازات سابقة زينت تاريخهما معاً.

قبل فترة وخلال زيارة لدولة الكويت الشقيقة، زرت خلالها المركز العلمي بالعاصمة الكويتية، ذلك الصرح العلمي والترفيهي الرائع والممتع. ولعل أكثر ما شدني في ذلك المركز الرائع هو وجود توقيع جلالة السلطان في سجل زوار المركز، كان توقيعاً بلا تعليق كما جرت العادة، أوضح لي القائمون على المركز أنه كان أثناء زيارة السلطان قابوس لدولة الكويت في يونيو 2005م. بحثت لاحقاً مستعيناً بالعم جوجل لتقع عيني على مقال قديم للكاتبة والمؤلفة الكويتية ريم الميع صاحبة السبق الصحفي؛ كونها أول صحفية عربية تدخل مُعتقل جوانتانامو في كوبا ليصدر لها بعد ذلك كتابها: "كويتية في جوانتانامو".. المقال نُشِر بالتزامن مع تلك الزيارة في جريدة الرأي الكويتية بتاريخ 9/6/2005م وكان بعنوان: "ثعالب الماء وثعابينه.. بين صباح الأحمد والسلطان قابوس".

تُسهِب الكاتبة في مقالها في سَرْد الحديث الشيق الذي دار بين جلالة السلطان قابوس وسمو الشيخ صباح الأحمد وبين المسؤولين بالمركز العلمي؛ حيث تقول في بعض فقراته: "ما إنْ شرح مسؤولو المركز العلمي للسلطان قابوس كيف أن حيوان الوشق انقرض من الكويت والجزيرة العربية، حتى قاطعهم جلالته: "إلا في السلطنة"، وشرح كيف أنَّ محمية متحف التاريخ الطبيعي في عُمان تتخذ من رأس هذا الحيوان البري شعاراً لها". وأضافت في بعض فقراته كيف بادر سمو الأمير (وكان وقتها رئيساً لمجلس الوزراء) بنفسه ليشرح بإسهاب تفاصيل بعض أنواع الأسماك المعروضة بالمركز.

المقالُ بين سطوره يذكر انبهار جلالة السلطان بسلوكيات بعض الحيوانات وتفاعل الأسماك، واستغرابه من أنَّ الكبير لا يأكل الصغير ما دام شبعان. الأمر الآخر هو عند تقديم الدرع التذكارية التي تحمل شعار المركز العلمي، وكيف أنه كان من تصميم فتاة كويتية تبلغ من العمر 13 سنة، فعلق جلالته قائلا: "يا سلام! الصغار يتغلبون على الكبار..".

من يقرأ المقال، ويغوص فيما بين سطوره، يدرك كيف أنَّ الزعيمين يتمتعان بثقافة عالية وواسعة في تاريخ الجزيرة العربية وتراثها وحياتها البرية؛ مما ساعدهما للقيام بعملهما على أكمل وجه، مواكبين بذلك التطورات التكنولوجية الهائلة بالعالم أجمع، أضف إلى ذلك حنكتهما الدبلوماسية العريقة فيما يخص التعامل مع الأحداث الراهنة بالمنطقة؛ فكما أنَّ السلطان قابوس هو رجل الحكمة والمحب للسلام؛ فكذلك الشيخ صباح هو أول زعيم عربي كرَّمته الأمم المتحدة ولُقب بـ" القائد الإنساني" من خلال تاريخه الحافل بالعطاء والعمل الإنساني.

وهنالك الكثير من الصفات والخصائص المشتركة بين هذين الزعيمين الحكيمين سلطان الحكمة والسلام وأمير الإنسانية؛ تاريخهما يشهد لهما بالوفاء بالوعد بالأفعال قبل الأقوال، وهما رجلا المبادرات ومن أبرز رواد إحلال السلام بالمنطقة والعالم؛ قادا بلديهما في أحلك الظروف حينما كانت الأمواج حولهما تتلاطم، لكن بحكمتيهما ورؤيتيهما الثاقبة أبعدا بلديهما عن كل ما يمس أمنهما واستقرارهما. ودائما ما تتفق نظراتهما ورؤاهما لمستقبل العالمين العربي والإسلامي، وقد تكللت الكثير من مساعيهما بالتوفيق والنجاح ليعكسا المكانة الطيبة التي يتمتعان بهما لدى قادة دول العالم أجمع.

ونأمل أن تكون هذه الزيارة الأخيرة التي قام بها أمير الإنسانية لسلطان الحكمة خطوة مهمة وفارقة في تاريخ المنطقة العربية، مكملين بها مشوارهما الحافل والذي يحمل مبدأ نبيلا يصلح ذات البين ويرأب الصدع الحاصل ليحققوا الغاية التي يسعون لها بنشر ثقافة السلام بالمنطقة والعالم أجمع.