الولايات والإدارات الثقافية.. درس من السويد

 

 

زينب الغريبية

 

 

هل تمثل الثقافة أولوية كبيرة تتطلب منّا الاهتمام؟ هذا السؤال الذي أود إثارته هذا الأسبوع، وهو سؤال استراتيجي له علاقة كبيرة ليس بقراءة الكتب كما يفهم البعض، فالثقافة هي وعي قبل أن تكون مجرد كتاب، لأنّ النشاط الثقافي هو نشاط يعمل على تحسين جودة الحياة لدى أفراد المجتمع، من خلال تداولهم في الإشكاليات التي تواجههم في جوانب التعليم والصحة والاقتصاد والأسرة وكيفية إدارتها، وتربية الأبناء، والارتقاء بالذوق الفني من خلال المعارض المختلفة، وتوفير فرص لأصحاب المواهب الفنية والمسرحية للتعبير عنها أمام جمهور، مما يقود إلى بناء مجتمع واع يعطي للوعي والثقافة أهميتها في حياته.

أليس من المستغرب أن يكون في كل ولاية من ولاياتنا فروع للبلديات تعمل على الإشراف على الأنشطة الصحية والتجارية والإنشائية في الولاية، لكن لا يوجد فيها إدارة تتعلق بالإشراف على الأنشطة الثقافية؟ أليس من المستغرب أن نهتم بإنشاء مسلخ في كل ولاية، ولا نكترث لإنشاء مكتبة عامة أو مسرح أو مركز ثقافي يعمل على الارتقاء بالوعي الثقافي، والنهوض بالولايات ثقافيا؟ أليس من المستغرب أن تخصص أعمدة للإنارة لكل ولاية سنوياً، ويخصص كذلك عدد من الكيلومترات للرصف، ولكن لا يخصص أي مورد للنهوض بالبنية الأساسية الثقافية؟ أليس من المستغرب أن يكون في كثير من الولايات ميادين لسباقات الهجن، وملاعب رياضية معشبة ونغفل عن تأسيس ميادين للمهرجات الثقافية التي يمكن أن تقيمها كل ولاية؟ هل نحن في حالة عداء مع الثقافة؟ أم أنّها ليس أولوية من ضمن أولوياتنا؟

يعتبر وجود إدارات ثقافية ضرورة ملحة؛ فالمجتمع ينمو ويتطلب مؤسسات ثقافية تلبي متطلباته وأبنائه، ويجب ألا يترك النشاط الثقافي مهملا لا فضاء له إلا ما يقوم به بعض الأفراد والجماعات حسب جهدهم وما يسمح به وقتهم وإمكاناتهم المحدودة، نعم قد توجد مديريات تابعة لوزارة التراث القومي والثقافة في المدن الرئيسية، لكنني أتحدث هنا عن وجود إدارات ثقافية تشرف على تنفيذ الأنشطة الثقافية في كل ولاية، وتنظم عملية تأسيس البنى الأساسية لها، فالثقافة اليوم منتج اقتصادي لا تقل أهمية عن بقية القطاعات لو تم تنظيمها، وهي تعطي وجها حضاريا لأي مجتمع، والمسرح والسينما والمكتبات تمثل أماكن لحل المشكلات ومحاصرتها، ولبناء المجتمع وقوته والنهوض بجماعاته.

ففي السويد تعد المراكز الثقافية وفي مقدمتها المكتبة من الأجزاء الأساسية في تخطيط المدينة، وتصرف عليها مبالغ كبيرة من أجل جعلها مريحة وجميلة للأطفال والعوائل، ويتم تزويدها بأحدث أنظمة الاستعارة، وكذلك بالأجهزة التي يمكن استعارتها، والطابعات شبه المجانية، وشبكة الواي فاي، ولذا قاد هذا الاهتمام إلى انتشار مؤسسات ثقافية في كل مكان، وربما تصعقنا الأرقام في ذلك حيث تضم شبكة المكتبات السويدية (290) مكتبة عامة، وحوالي (4000) مكتبة مدرسية، و(100) مكتبة في المستشفيات للاستخدام المزدوج للأطباء والمرضى، و(38) مكتبة وطنية، و(20) مكتبة إقليميّة، وفي عام 2011م تمت استعارة (78.6) مليون عنصر من مختلف المكتبات في بلد لا يتعدى عد سكانه تسعة ملايين نسمة، هذه المكتبات تقوم بتمويلها وتأسيسها جهات محلية، ولذا علينا ألا نستغرب من تقدم السويد وجودة الحياة فيها مع كل هذا الاهتمام بالثقافة.

هل يمكن أن يقدم مجلس الشورى مراجعة للقوانين المختلفة من أجل إيجاد مكانا مميزا للثقافة؟ هل يمكن أن تقوم المؤسسات الثقافية القليلة جدا في البلد بتحريك ملف الثقافة ومؤسساتها بدلا من الانشغال بتقديم بعض الأنشطة البسيطة التي تعبر عن وجودها؟ هل يمكن أن تخصص أراض ثقافية على غرار تخصيص أراض للمساجد والمدارس في المخططات السكنية؟ هل يمكن أن نبعد عن جعل الثقافة فعلا تكميليا عرضيا ونجعل منها فعلا أساسيا مقصودا؟ هل يمكن أن يكون لدينا في كل هذه الثورة العمرانية في كل مكان أن يكون لدينا مبنى ثقافي واحد؟

أطرح هذه الأسئلة لأنني مؤمنة بأنّ الطريق للتقدم يمر عبر بوابة الثقافة، فالمجتمعات التي تفتح أبوابا كثيرة لشبابها للإبداع والتعلم هي من تحتل موقع مقدمة الركب، وآمل أن تحظى مثل هذه الأسئلة بنقاشات جادة حتى نؤسس لجغرافيا ثقافية على أرض عمان، تكون نابضة بالحراك والنقاش والإنتاج، نبض سينعش مختلف قطاعات المجتمع.