الحلم مرة بخليج واحد

زينب بنت محمد الغريبية

لا أعرف متى بدأت أدرك أنني خليجية علاوة على كوني عُمانية، ولكن لا أزال أذكر تلك الصورة الواحدة التي كانت تجمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي -آنذاك- كانت تلك الصورة السنوية التي تتجدد في عاصمة من عواصم الخليج التي ترفرف فيها الأعلام الخليجية، وتطلق معها العديد من الأغاني التي تعمل على تقريب أبناء الخليج بعضهم البعض، ويصطفُّ الناس في تلك العاصمة مُرحِّبين بقادة الخليج الذين يجسدون آمالهم في تقارب أكثر وفي وحدة وتكامل أكبر.

كان الخليجيون -كما كتب الكويتيون في منهجهم الحالي- كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعت له بقية الأعضاء بالتضامن والتعاضد والفزعة حكوميًّا وشعبيًّا، لم تكن هناك لغة أعلى من لغة المحبة، ولم يكن هناك شعار إلا شعار الإخاء، ولم يُعرف يومها أن بلدا خليجيا تجسَّس على البلد الآخر، أو اتهم البلد الآخر بسوء، وإن حدثتْ بعض المشكلات التي لا يمكن أن تُتجنب بين الدول، كان الجميع يُنصت لصوت الأخوَّة والحكمة، ويُغلّب مشاعر الإخاء، ويستحي من أن يكون سببا في فرقة، أو عاملا في هدم روابط متينة.

أستذكرُ كلَّ هذا مع انعقاد قمة الخليج خلال الأسبوع الفائت، والخليج لم يعد واحدا، ولا هادئا، ولا منسجما، ولا متصالحا، رغم تزايد التحديات والأخطار من حولنا، ورغم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ورغم تخلي القوى الكبرى عن التزاماتها الكبرى، من كان يصدق أن أهل الخليج الذين كانوا يخشون الخطر الخارجي على أنفسهم وعلى بعضهم البعض، باتوا يخشون بعضهم بعضا، ويستعينون بمن يستطيعون ليؤمنهم من بعضهم البعض.

لست كاتبة سياسية، وأشعر بنفور كبير مما يجري في عالم السياسة، فأدقُّ تعريف قرأته عنها بأنها لعبة لا أخلاقية، ولكنني أكتب كمواطنة عمانية في الخليج، أناشد من هذه الأرض الطيبة التي لم ترمِ يوما أحدًا بحجر، ولم تشارك في العدوان على أحد، ولم تطلق دعوات كراهية ضد أحد، بل كانت تطلق دعوات تحث على الأخوة والتماسك بين أبناء الخليج، وتجنيبه أية صراعات وانقسامات وحروب تقضي على حالة الازدهار التي يعيشها، وتفوت على مواطنيه كثيرا من فرص الأمن والاستقرار، أناشد قادة المجلس أن يغلبوا مصلحة أبناء الخليج في سياساتهم، وأن يلتفتوا إلى الخسائر الكبرى التي نتجت حتى اليوم مما جرى من صدامات داخلية، عليهم أن ينصتوا لصوت الحكمة الذي يصدح من عُمان، من قائدها وشعبها، ومفكريها وكتّابها الذين ما فتؤوا يدعون الجميع إلى التزام الحوار وحل الخلافات بالطرق السلمية، والتحلي بالاتزان ومراجعة النفس، واحترام الروابط الأخوية؛ لأنه لا قوة للخليج إلا بتضامن أبنائه وحكوماته في مواجهة مستقبل متقلب لا أحد يعرف توتراته المختلفة.

على أبناء الخليج أن يتفكروا في كل ما يطرح من كتابات صحفية على الصحف والشبكات يراد بها صب الزيت على النار المشتعلة، عليهم أن يطفئوا هذه النيران بإظهار الترابط وتجاهل تضخيم الخلافات وتفويت الفرصة على بعض الباحثين الذين استمعت إلى طروحاتهم في أحد المؤتمرات مؤخرا وهي تدعو لإظهار ما هو مشترك بأنه غير حقيقي، وأن الخليجيين لا تجمعهم هوية واحدة ولا روابط ومصالح مشتركة، فدولة تقع على بحر العرب، وأخرى على البحر الأحمر، وهكذا يمضي هؤلاء في قراءتهم التي تقود إلى الفرقة، علينا أن نتذكر الصورة التي كان يظهر بها الخليج قويا مترابطا لا مفككا؛ لكي نفوت على الأعداء مطامحهم في تفتيت أبناء الخليج حسدا على دوله، التي أفاء الله عليها بأموال النفط الكثيرة، والتي لم تبخل بها على أحد من الأشقاء أو شعوب العالم، فهل يمكن أن نتوقف مع انعقاد كل قمة خليجية لنشهد استعادة للخليج الذي مضى؟ سؤال نوجِّهه لقادة الخليج الذين اجتمعوا قبل أسبوع في الرياض، ونأمل أن يكون هناك بصيص ضوء في آخر هذا النفق الذي مر به الخليج في السنوات الأخيرة.