مبادئ المواطنة بالنظام الأساسي للدولة

 

 

حميد السعيدي

المواطنة العُمانية استلهمت أفكارها ومبادئها ومضامينها من باني النهضة جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، والذي كان له الدور الكبير في البناء الفكري لدى المواطن العُماني؛ مما انعكس على الهوية الوطنية، وتجسد في بناء المواطنة الصالحة في نفوس العُمانيين، "لقد جسدتم للعالم كله أسمى معاني المواطنة الصالحة، وأثبتم أن عُمان أمٌّ تحُب كل أبنائها، والعُمانيون كلهم أبناء لهذه الأم الحنون تريدهم جميعا بررة أوفياء".

والمتطلِّع لخطب وكلمات جلالة السلطان يجد نفسة أمام منهج تربوي في مجال المواطنة، والذي تضمن توجيهات للتربية على قيم المواطنة، وحثهم على الانتماء لهذا الوطن، والتمسُّك بعادات وتقاليد ومنجزات حضارتهم وتاريخهم، والعمل من أجل المصلحة الوطنية الخالصة لعُمان، والإخلاص والأمانة في العمل، والتمسك بالعقيدة الإسلامية كمصدر لتنظيم شؤون حياتنا، وما يؤكد اهتمامه بمخاطبة شعبه من خلال مصطلحات مرتبطة بالمواطنة: "أيها الشعب"، "شعبنا العزيز"، "أيها المواطنون"، "أيها الأخوة المواطنون"، "يا أبناء عُمان"؛ مما يعطي دلالة على مدى ترسُّخ فكر المواطنة لدى جلالته وكيفية تربيته لأبناء عُمان، والتي حاول جلالته من خلال هذه الخطب توجيه شعبه بها "يا أبناء وطني، الدرب شاق وطويل ولكن بالجهد والمثابرة سوف نصل إلى هدفنا بأسرع وقت بإذن الله"، كما تضمن دعوته لحب الوطن والتمسك بالعقيدة الإسلامية "إن رقي الأمم ليس في علو مبانيها، ولا في وفرة ثرواتها، وإنما رقيها يستمد من قوة إيمان أبنائها بالله، ومكارم الأخلاق وحب الوطن والحرص والاستعداد للبذل والفداء في سبيل المقدسات"، إنه منهج في التربية على قيم المواطنة حرص جلالته على ترسيخه في أبناء عُمان من خلال لقاءاته بهم أو ما تضمنته تلك الخطب والأقوال، في كل مناسبة وطنية يلتقي فيها المواطنين، وتكامل هذا المنهج مع صدور النظام الأساسي للدولة عام 1996م، والذي هدف لبناء المواطن بما يحقق الشراكة الحقيقية في بناء مستقبل واعد لأجل عُمان، ولكن إلى أي مدى توافق هذا النظام مع مفهوم المواطنة ومبادئه؟

يستند مفهوم المواطنة في بنائه إلى مجموعة من المبادئ التي تمثل الركن الأساسي في ترسيخ المواطنة لدى الفرد، وتتنوع هذه المبادئ بحيث تكون شاملة وعامة بما يحقق المنهجية الصحيحة في البناء الحقيقي، بما ينعكس على شخصيته الاعتبارية وتمثيله الوطني، وتتوافق هذه المبادئ مع النظام الأساسي للدول الذي يصاغ بحيث يعطي الصفة القانونية للمواطنة، ويحدد منظومة الحقوق والواجبات والهوية الوطنية وهذه المبادئ التي تمثل الأولوية في مفهوم المواطنة؛ حيث تبلورت مبادئ المواطنة في الحقوق والواجبات، والهوية الوطنية، والمسؤولية المجتمعية، والمشاركة السياسية، والقيم الوطنية، والانتماء والولاء الوطني، والمواطنة العالمية، هكذا تكرست مبادئها الأساسية بما يشكل الدولة العصرية الحديثة.

ويعتبر النظام الأساسي للدولة الإطار القانوني الشامل الذي ينظم كافة الجوانب المتعلقة ببناء الدولة المعاصرة، وقد انبثق هذه النظام من الشريعة الإسلامية، ومن الفكر السامي لجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، ومنظومة المجتمع العُماني وطبيعية تشكيله وبنائه الاجتماعي والسياسي والثقافي. وبقراءة النظام الأساسي للدولة نجد أن مبادئ المواطنة ظهرت جلياً في معظم أبواب النظام التي ركزت على أسس قانونية ومنهجية في بناء الدولة العصرية، وعلى بناء الإنسان العماني كشخصية ممارسة للوظيفة الوطنية؛ لذا فإنَّ التوجيه السامي كان مُوجها في إنشاء هذا النظام رغبة في مستقبل واعد لأجل عُمان "تصميما على مواصلة الجهد من أجل بناء مستقبل أفضل يتميز بمزيد من المنجزات التي تعود بالخير على الوطن والمواطنين" ((قابوس بن سعيد)).

فقد ركَّز البابُ الأول من النظام الأساسي للدولة على طبيعة نظام الحكم، وحدد بعض عناصر الهوية الوطنية المتمثلة في اللغة العربية والدين الإسلامي، وحدد رموز الدولة الأساسية في العلم والشعار والنشيد الوطني، وجاءت بقية المواد بدءًا من المادة (9) تركز على العدل والشورى والمساواة، وحق المشاركة في الشؤون العامة، وهذه تتوافق مع أهم مبادئ المواطنة فيما يتعلق بالمشاركة السياسية والحقوق، في حين أنَّ المادة (10) ركزت بعض بنودها على الواجبات الوطنية التي يفترض أن يقوم بها المواطن العُماني تحقيقا للمبادئ السياسية للدولة، والمحافظة على الاستقلال والسيادة، وصون كيان الدولة وأمنها واستقرارها والدفاع عنها ضد كل عدوان، كما تضمن حقوق العدل والطمأنينة والمساواة للمواطنين.

كما جاءت المادة (11) للمبادئ الاقتصادية مركِّزة على حقوق الملكية الخاصة المصونة بالقانون، والواجبات التي يفترض أن يقوم بها المواطن تجاه الملكية العامة وكيفية التعامل معها، وحمايتها كواجب وطني. وركزت المادة (12) على المبادئ الاجتماعية وتحقيق العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين، وعلى بناء المجتمع العُماني، وتعزيز الوحدة الوطنية كواجب وطني، كما أكدت على حقوق الأسرة وأفرادها، وتوفير الحقوق الصحية، وصياغة القوانين التي توفر الحماية للمواطن في ممارسة عمله أو مهنته. في حين ركزت المادة (13) على المبادئ الثقافية، وحق التعليم كركن أساسي في بناء المجتمع، وتكفل الدولة بتوفير التعليم لكافة فئات المجتمع ومكافحة الأمية.

كما أنَّ المادة (14) ركَّزتْ على المبادئ الأمنية وحددت حق الحماية للمواطن، وواجبه في المشاركة في الدفاع عن وطنه وأمته، وجاءت بقية المواد من (15) وحتى (40) على الحقوق والواجبات العامة التي تمثلت في الجنسية، والعدالة، والمساواة، والحرية الشخصية وقفا للقانون، وحماية المواطن من تعرضه للإيذاء المادي أو المعنوي، وحماية كرامته، وحق التقاضي الذي كفله القانون، وحرية القيام بالشعائر الدينية طبقا للعادات المرعية المصونة، وحري الرأي والتعبير التي في الحدود التي كفله القانون، وحرية المراسلات والاتصالات، كما ركزت على المسؤولية المجتمعية وتكوين مؤسسات المجتمع المدني، وأكدت على مهمة الدفاع عن الوطن كواجب مقدس، والحفاظ على الوحدة الوطنية وصيانة أسرار الدولة كواجب على كل مواطن، وأداء الضرائب والتكاليف العامة واحترام النظام الأساسي للدولة والقوانين والأوامر الصادرة من السلطات العامة، وركزت المادة (41) على رئيس الدولة ذاته مصونة لا تمس، واحترامه واجب وأمره مطاع، وهي أحد أهم الواجبات الوطنية التي يجب أن يقوم بها المواطن، وجاءت بقية المواد توصيفاً لمنظومة الدولة العصرية بمؤسساتها التشريعية والقانونية والتنفيذية.

وهكذا تشكلت المواطنة العُمانية كجانب قانوني ووجداني في أنظمة النظام الأساسي للدولة؛ بحيث ركزت على كل مبادئها في بوتقة قانونية حفظت كرامة الفرد كإنسان ومواطن يتمسك بالهوية الوطنية؛ حيث صاغت له القوانين والتي حدَّدت كل ما يتعلق بممارستها الوطنية وحقوقه وواجباته، ووضعت الأطر العامة والقانونية للمواطن التي يفترض أن يقوم بها بما يحقق بناء مستقل أفضل لأجل عُمان.

Hm.alsaidi2@gmail.com