صدام الحضارات والتجربة العُمانيّة

 

عبد الله العجمي

 

يتبادر إلى أذهان الكثير منا تساؤل خطير بل وفي منتهى الخطورة حول مآل العلاقة بين الإسلام والغرب، والتي هي متدهورة أصلاً وتكاد تنذر بكارثة.. لا سيما تفاقمها واحتدامها بعد أحداث 11 سبتمبر.. ولا أحد باستطاعته إنكار هذا التدهور والبينيّة الحاصلة بيننا وبين الغرب.. ورغم يقيننا بذلك فإننا نرى -ويا للأسف- أنّ هناك تيّارات فكرية مؤجّجة لهذا التباعد والنفور بزعامة مثقفين ومفكرين لا أحد يعلم دوافعهم وغاياتهم.. ونرى بالمقابل آخرين تصدوا لهم ولنظرياتهم يفندونها بالمنطق والعقل.. هذان الصنفان أو فلنقل الخطّان متقابلان يمكن ربما السيطرة عليهما وكبح جماحهما.. لكن المصيبة تكمن في وجود مجموعة تتخذ من التطرف الديني منهجاً لتعاملها مع الغير.. رغم ّأنهم في واقع الأمر لا يمثلون أكثر من دُمى وأدوات لتنفيذ تلك الأفكار.. علموا بذلك أو لم يعلموا.. مع أنّ المشتركات والمتطابقات بين حضارتي الغرب والإسلام تكاد تطغى على أوجه الخلاف بينهما.. ولو نظرنا للأمر نظرة تمعن وتدبّر لوجدنا أن هناك فئتين ساهمتا في ترويج العداء وترسيخه بين الاسلام والغرب.

تتمثل الفئة الأولى في ثُلّة من المفكرين والمثقفين الذي نظّروا لها بكل ما أوتوا من قوة.. وأثّروا تأثيراً سلبياً منتهزين الفُرص التي سُنحت لهم في محاولة ترسيخ فكرة صراع الحضارات.. ساعدتها في ذلك الكثير من قنوات الإعلام العربية للأسف.. وهم باختصار يسوّقون لهذا الصراع والدفع به ليكون صداماً حتميّاً لا مفرّ منه.. مستغلين بذلك التنظير المُمنهج لغرس فكرة الهيمنة الحتمية للثقافة الغربية وسياساتها واقتصادها على العالم من جهة والترويج لفكرة أنّ المسلمين هم الأعداء الحتميين لهذه الحضارة خاصة بعد انهيار الشيوعية وتلاشيها.. فنراهم يتعاملون مع الإسلام على القاعدة المبتورة "ولاتقربوا الصلاة" وهذه الفئة بالإمكان أن نطلق عليها "أبالسة الإنس"!! فئة تبث من سموم العداء والكراهية ضد الإسلام والمسلمين ما الله أعلم به.

 

أما الفئة الثانية فهم الإرهابيون وخدمة الفكر الأصولي.. إنّهم قوم لا يرون إلا العداء الديني للآخر ولا يتورعون عن سفك الدماء بحجة القتل والتكفير بحجة الضلال وهي فئة تعتمد على ثلاثة محاور: المفتين والممولين والمنفذين.. فهم ينتهجون منهجاً متطرفًا يرى بوجوب القضاء على المخالف لهم سواء فكرياً بتكفيره، أو جسدياً بتصفيته.. والمؤلم في هذا الأمر هو رؤية هؤلاء الشباب وهم في ريعان شبابهم لا يتوانون أن تصير أجسامهم أجزاء متناثرة في سبيل نشر هذا الفكر الضال.

كل هذا يدفعنا إلى البحث عن كيفية تغيير هذه الفكرة المترسخة في ذواتنا.. فكرة تفوق الغرب علينا في ظل الماكينة الإعلامية الهائلة التي تسوق لفوقيّة الغرب وتفوقه.. فنحن كمسلمين نساهم بهذا الضعف والتشتت ونقدم أنفسنا -لا إرادياً- كضعفاء في عالم لا يقبل إلا الأقوياء.. هذا الغرب الذي كانت منبع علومه الحديثة مأخوذة من كتبنا ونظريات علمائنا القدامى.. الذين كان عصرهم عصر ابتكار وإنتاج وتطوير لكافة العلوم المعاصرة..

صحيح أنّه لا جدوى من البكاء على الأطلال في عالم فيه البقاء للأقوى.. لكن لنأخذ العبر من الماضي.. فكما أنّ المسلمين قد تفوقوا على بقيّة الحضارات في شتى مجالات الحياة.. فيجب أن نعلم بالمقابل أنّ ما قلب الطاولة هي الحروب..

فكما كنا أقوياء فإنّ بمقدورنا أن نعود أقوياء أكثر من ذي قبل بتلمّس السبيل إلى مكامن هذه القوة دون البكاء على أطلال الماضي.. فبالإمكان تفعيل التكتّل السياسي لتكوين كيان قوي يوحد دول المسلمين بانتهاج منهجيّة الاعتدال والسلميّة والشفافيّة في التعامل مع الغير ولنا في منهج الاعتدال السياسي العُماني مثالاًّ حياً وشاهداً شاخصاً في هذا الجانب لا يجب التفريط به.. فأبجديّات هذا المنهج ليست صعبة المنال بل هي واضحة وسهلة التطبيق على بقيّة الدول العربيّة والاسلاميّة بشرط التخلّي عن الثقافة السائدة حاليًا وهي ثقافة كثرة الحديث الذي لا طائل منه، والانطلاق إلى دور أسمى وأرقى ألا وهو دور التنفيذ والعمل على الانتقال من الجمود إلى التطور، ولعلنا نوفق في مقال قادم في تسليط الضوء على مقوّمات هذا الدور وسبل الانتقال إليه ووضعه حيّز التنفيذ بتفعيله التفعيل الأمثل.. بما يتطلب ذلك من جهود مكثّفة في القضاء على الفساد وإبراز دور الثقافة والمفكرين والاستعانة بهم في تصحيح بعض المسارات السياسيّة والاقتصاديّة..

باختصار أن نأخذ بالمنهج المتبع في حضارة الغرب بتثقيف السياسيين بدلا من تسييس الأدباء والمفكرين.

لكن قبلا وقبل أن نغرق في الدماء يتوجب علينا التصدي بكل ما أوتينا من قوة إلى نبذ الفكر الإقصائي والظلامي والذي أسهم وبشكل بارز وملحوظ في تأجيج هذا الصراع بين الغرب وبين المسلمين.. ثمّ بعدها علينا الانتقال إلى الجوانب الأخرى لدمج الجميل من حضارتينا والتعاون لبناء جيل واعد يعيد للأمة أمجادها وهيبتها.. ويمحو بأفعاله المشرفة تلك الجرائم اللاإنسانية التي نُسبت ظلماً إلى هذا الدين.. الدين الذي يقول: "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا" لا لتتقاتلوا..

 

abdullah-alajmi@hotmail.com