عزيزة الطائي: فضاء "القصة القصيرة جدا" مشحون بالمغامرة والتَّمرد على النصوص التقليدية

...
...
...
...

مسقط – العمانية

 ترى الكاتبة العمانية عزيزة الطائية أنَّ توجهها نحو كتابة القصة القصيرة جدًا، يمثل محاولة للخروج عن النّص القصصي التّقليدي في عصرٍ يحاصرنا بتقنياته وصخبه وسرعته، وفي فترة حرجة نعاني فيها كأُمة من تحولات وانهزامات وتجذرات متكررة على الأصعدة كافة؛ السياسية والاجتماعية والاقتصادية والوجدانية.

وتقرّ الطائية أنّ فضاء القصة القصيرة جداً مشحون، ليس بالمغامرة فحسب، بل بالمشاكسة والمراوغة والمجازفة في خصائص القصة ومكوناتها الجمالية وهو "مُتمرد على المنظومة القرائية التقليدية أيضاً"، فالقارئ الحاذق يُدرك ضرورة المجازفة التي يقوم بها هذا النوع القصصي في عصر باتت السرعة فيه تلتهم كل شيء، وتقوض المسافات التي تعرقل الوصول إلى المراد بأقصر الأساليب والأدوات. 

وتستلهم الكاتبة عزيزة الطائية في مجموعتها القصصية "ظلال العزلة" أجواء التغيير في الوطن العربي، وهي تقول حول هذا التوجه: "لعل من أبرز التقنيات التي تتميز بها القصة القصيرة جداً، هي التناص الذي يمنحها عمقاً ثقافياً وتاريخياً وفنيا"ً، مضيفةً أن التّناص ينطوي على وعي ثقافيّ يؤسس لتطور المفاهيم في بنية القصة القصيرة جداً فهناك حوادث تقترب وتبتعد، وهناك حكايات تتشابه وتختلف، وباستحضار المواقف والشّخوص واستلهامها وربطها بالواقع تقدّم القصة القصيرة جداً رسالتها ودروسها وعبرتها.

وتضيف الكاتبة أن استحضارها في "ظلال الغربة" لأحمد فؤاد نجم ومارسيل خليفة، جاء بوصف هاذين المبدعين من أبرز مَن تغنّى بالحرية والعدالة لأجل الإنسانية جمعاء.

ولا تتردد الطائية في القول إنّ الهم النّسوي يشغلها في كتاباتها، كما يتجلى في مجموعتها "موج خارج البحر"، وهو "يتشكل ويتطور ويتعمّق تبعاً للبيئة" التي تعاينها وتستحضرها.

وترى أنّ القصة القصيرة جداً قادرة على التّعبير عن أيّ ثيمة أو موضوع أو فكرة بحدثٍ مختزل، ولفتة سريعة، وفكرة عميقة، سواء كانت تطرح هماً اجتماعياً، أو وجدانياً، أو إشكالياً، أو سياسياً، أو غير ذلك.

وتشدد الطائي على أن القصة القصيرة جداً بحاجة إلى كاتب يمتلك "مرايا وعدسات" مختلفة عن كاتب القصة القصيرة والرواية، تاركةً الحكم لـ "القارئ المتذوق الواعي، والناقد الحذق الحصيف"، حول مدى إجادتها في هذا التّوظيف، وإدراك ما يعنيه الرمز وتحمله الدّلالة في جمل قصيرة، وعبارات مكثفة، ورؤى مُختزلة. 

وتتَّسم عناوين قصص الطائي بأنَّها غالباً ما تكون مختزلة في كلمة واحدة، وغالباً ما تكون نكرة أيضاً. وهي تعزو ذلك إلى أنّ الحياة "قائمة على الاختزال، وتسير بنا إلى النّكرة"، مضيفةً: "الحياة تختزلنا رغم عطائنا، وسخائنا، رغم إقدامنا وإحجامنا، رغم صمودنا ومواجهتنا لها، ثم تنكر كل أفعالنا وحقوقنا؛ وربما هذه الرؤية من فحوى الحياة هي مكمن اختزال القص القصير جداً".

ومن سمات تجربتها أيضاً اعتمادها التبعثر والشتات كجزء من بنية القصة، وذلك لأنّ الحياة كما تقول "قائمة على التبعثر والتشظي"، وبنية القصة القصيرة وحبكتها تُعزز ذلك عند كاتبها بما تحمله من دهشة ومفارقة بين بدايتها وخاتمتها، وفي كلّ ذلك يعمق التبعثر والشّتات، بل يؤكد رسالة القصة القصيرة جداً، ورمزيتها.

ويظهر السرد في مُعظم قصص الكاتبة عزيزة الطائية بصيغة المُتكلم، وهي توضح هذا التوجه بقولها: "أكتب بضمير /الأنا/ لأنني أراه أكثر قرباً إلى نفسي وعوالمي، إذ أنسى ذاتي وأجول في عوالمي، فتتوالد الأفكار دون وعي مني، وينسكب حبري عبر أوراقي أو حاسوبي من شتاتي وبعثرتي، من تأملي وتمعني، من وحدتي وعزلتي، من حزني وفرحي، من هدوئي وصخبي، من واقعي ومتخيلي؛ فأغوص في خيالي وفضاءاتي وربما هذا يعود لأنّ أغلب القصص القصيرة التي كتبتها، جاءت عبر عدسات ولقطات ومعاينات ومرايا تأثرت نفسي بأجوائها، وحاولت الاقتراب منها".

وتعود الطائية لتؤكد: "القصة القصيرة جداً عالمي، وجزء من كياني وحياتي اليومية بما تحويه من خصائص وعناصر، أعيش في أجوائها، أتأثر بالحدث أو المشهد، وتحضرني فكرة. أرسمها بمخيلتي فأدونها"، مؤكدة أنّها قادرة على التعبير بفكرة أو لقطة، بها تستطيع "القبض على جمرات من الحكي في بنية مُحددة، ودلالة مُشيدة تفرضها الحياة بأحداثها اليومية".

وعن تحقيق التّوازن بين كتابتها للرواية (أرض الغياب) وكتابتها للقصة القصيرة جداً، ترى أنَّ هذا يفرضه "طبيعة الحكي وخصائصه من جهة، ومن جهة أخرى البنية السّردية" التي تصوغ فيها الفكرة التي تُريد طرحها. فهي حين تكتب القصة القصيرة جداً تضع في اعتبارها أنّها نوع من "الحكي العميق" الذي يعتمد على اللقطات السّريعة، واللفتات المدهشة، وما تؤهله المُقدمة للخاتمة من مفارقة، التي تؤسس قيمة الحبكة القصصية لألفاظ جزلة، وتعبيرات مكثفة في القص القصير جداً. أما الرّواية، فهي "عالم متكامل" بأحداثه وشخوصه وأزمنته وأمكنته التي تتفاعل مع بعضها بعضاً بتنوع الأحداث وتشابك العوالم، وتلعب فيها عمليات الوعي دوراً مشوقاً يعدل دور الأحداث الخارجية، أو يفوقه أهمية.

ومما يراه النقاد في تجربة عزيزة الطائية الروائية، أنَّها تلجأ إلى تقنيات السينما والمسرح والدراما، حيث الانتقال السريع بين المشاهد الروائية، وهي تقول في هذا: "النص الدّرامي عبارة عن حكاية تُصاغ في شكل أحداث وشخصيات في زمان ما ومكان ما، ويؤديها ممثلون أمام جمهور باستخدام عناصر العرض الدرامي المتمثلة في الحبكة والشخصيات والفكر واللغة (الكوميديا أو تراجيديا)، وهي بهذا لا تختلف عن طبيعة العمل السّردي الحديثة الذي لا تحده قوالب بعينها؛ سوى في العرض أو التمثيل".

ومن وجهة نظر الطائية، كل كاتب له قوالب وعوالم وفكر وثقافة تشكل أسلوبه في الكتابة وطريقته في التّعاطي والتّفاعل مع الواقع المعيش. وجميع الأنواع السردية تتفاعل وتتلاقح مع بعضها بعضاً؛ تبعاً لطبيعة النّص الذي يشكله الكاتب. كما إنّ هناك جدلية التّأثر والتّأثير بين الأجناس الأدبية، والفنون عامة.

فما يجمع الأدب والفن هو "اعتماد كل منهما على التخييل"، لكن الخيال في النص الأدبي هو خيال "تصنعه الكلمة بقدرتها اللامحدودة على الإيحاء، فضلاً عن قدرتها على التواصل مع ثقافة المتلقي، وثقافة المجتمع الإنساني ككل، بفضل ما تراكم من نصوص عبر التاريخ الحضاري للإنسان". أما الخيال في الدراما فـتصنعه الكاميرا، والقدرات الخارقة للتقنيات الفنية على خلق العوالم الافتراضية المؤثرة. وما يهمنا في ظل هذه المُحددات هو "كيف تفاعل الكاتب مع نصّه السردي، وهل تمكّن من سبك الثيمة مع عناصره الفنية بطريقة أغنت الحبكة والأحداث؟".

وتوضح الكاتبة عزيزة الطائية أنَّ في رواية "أرض الغياب" مُمارسة لغوية رمزية تتداخل فيها مستويات خطابية مختلفة: تاريخية، اجتماعية، حضارية، فكرية. فهي إنتاج لغوي بالدرجة الأولى، أي أنّ وسيلة التعبير فيها هي الكلمات والأنساق اللغوية. وتؤكد أنّ طريق الخيال التي تُعيد إنشاء الواقع في بنيتها، تستطيع أن تُقدم المباشر والمسكوت عنه، وأن رؤيتها تقوم على أنَّ هذه البنية تستقي من عوالم التخييل ما لا تستطيع الدراما أن تُقاربه. 

تعليق عبر الفيس بوك