الشهادة الأكاديمية العلمية ليست مقياسا!!!

 

رحمة بنت صالح الهدابية

أنهيت قبل أيام قليلة قراءة كتاب "عظماء بدون مدارس" للمُبدع الكاتب السعودي الرائع عبد الله صالح الجمعة الذي أبدع بأنامله الرائعة في صياغة هذا الكتاب الرائع الذي كم نحن بحاجة إلى مثله في زرع الأمل وبث الروح الإيجابية والطموح في تغيير واقعنا، هذا الذي يشوبه ويملؤه اليأس والإحباط والضبابية وعدم وضوح الرؤية لمستقبل مجهول إلى واقع جميل مُفعم بالنشاط والحيوية للنجاح والإنجاز وإعمار الأرض بالطريقة التي أرادها الله سبحانه وتعالى لنا عندما استخلفنا واستأمنا على أرضه لذلك فقد نجح الكاتب وعلى الرغم من سهولة وبساطة أسلوبه في سرد سيرة حياة هؤلاء العظماء في التأثير وتغيير قناعات الكثير ممن قرأ وأطلع على الكتاب في إعطائهم الأمل والفرصة لترتيب أحلامهم وأمنياتهم التي لربما قد نسيت وطويت في الظروف الصعبة التي مروا بها واعتقدوا بأنّ هذه الظروف لن تنتهي وستكون ملازمة ومرافقة لهم طيلة حياتهم، ولكن بفضل قراءتهم لهذا الكتاب واحتكاكهم وتفاعلهم اللا مباشر مع قصص نجاح هؤلاء العظماء أصبح من الممكن أن يصنع كل إنسان نجاحه ومجده الذي ينشده ويسعى لتحقيقه، فكلما نظرنا لهؤلاء العظماء ولنجاحاتهم التي أبهرت وأنارت تاريخ البشرية نصاب بالذهول والانبهار والإعجاب؛ وكأن المولى عزّ وجلّ قد خصهم بإمكانيات وقدرات خيالية لا نقوى نحن العامة

على امتلاكها ولكن وإذا ما تعمَّق أحدنا في سيرة حياة واحد من هؤلاء العظماء سيُصاب بالصدمة والدهشة بأن حياته في كثير من جوانبها_الشخصية، الصحية، الاجتماعية، العلمية، الاقتصادية أفضل بمئات المرات من حياة هذا العالم والفيلسوف الذي ملأ الدنيا بعلمه واختراعاته وابتكاراته. وجل هؤلاء العظماء الذين أورد الكاتب سيرة حياتهم لم ينتسبوا لأيّ مدرسة نظامية قط وجميعهم لم يحصلوا على أية شهادة أكاديمية علمية عالية، فهذا أديسون قد طرده المُدير من المدرسة لغبائه وعدم استيعابه للدروس حسب ما كان يظن المدير ومُعلميه وأصبح فيما بعد المخترع الأوَّل في عصره وبدون منازع وقد وصلت اختراعاته وابتكاراته صوب الألف اختراع وابتكار، وهذا آينشتاين الذي ظل يرسب في مادة الرياضيات عدة سنوات وبعدها يكتشف أنَّ المعلم لم يكن مؤهلاً في فهم واستيعاب كيفية طرق حل آينشتاين للمسائل الرياضية وأصبح فيما بعد العالم الأول في مجال الرياضيات والفلك وأصبحت دراساته ونظرياته تدرس في أرقى الجامعات والكليات.

وهذه آغاثا كريستي الروائية البريطانية التي كانت تُعاني منذ طفولتها من تأخر نطق الأحرف وعدم استيعابها لقواعد اللغة الإنجليزية وأصبحت فيما بعد أشهر كاتبة روائية بريطانية يقرأ لها حسب ما أعلنته منظمة اليونسكو.

وفي الوقت نفسه وعلى سبيل الذكر لا الحصر لا أغفل عن ذكر أمثلة ونماذج من عظماء أمتنا العربية والإسلامية الذين أسهموا أيما إسهام في رفعة شأن هذه الأمة في مختلف جوانب الحياة ومن أبرزهم الشيخ الداعية أحمد ديدات على الرغم من ظروف معيشته الصعبة التي منعته من مواصلة تعليمه والخروج من المدرسة عند الصف السادس الإبتدائي فقط أصبح بعد ذلك من أبرز الدعاة المدافعين عن الدين الإسلامي في عصرنا الحديث وذلك نظرًا لما تميَّز به الشيخ من أسلوبه الدعوي المتزن والرصين في إلقاء المحاضرات والندوات الدينية للناس لتعرفهم بالدين الإسلامي الصحيح وما اشتهر عنه أيضًا بالمناظرات التي عقدها مع كبار رجال الدين المسيحي أمثال كلارك جيمي سواجارت وأنيس شروش.

والأديب والكاتب الكبير عبَّاس محمود العقاد الذي نبغ في شتى مجالات العلوم والمعارف خاصة في مجال الشعر والأدب على الرغم من تركه للمدرسة في سن مُبكرة إلا أنّ حبه وتولعه بالقراءة والمطالعة أسهم أيما إسهام في تشكيل شخصيته وهويته الشعرية الأدبية، فقد بلغت مؤلفاته مائة كتاب وآلاف المقالات في الصحف والمجلات متبوئا في ذلك مكانة عالية في النهضة الأدبية الحديثة.

ورجل الأعمال الشيخ سليمان بن عبد العزيز الراجحي الذي أدرك منذ الوهلة الأولى بأنّ المدرسة ليست هي المكان المؤمل عليه في تحقيق ما يصبو إليه من أحلام وطموحات فخرج منها وهو لم يكمل حتى المرحلة الإبتدائية فاشتغل منذ نعومة أظافره في كل عمل ما لم يغضب ذلك العمل الله سبحانه وتعالى فعمل كبائع للحلويات وللمحاصيل الزراعية وأصبح فيما بعد حمالاً لأثقال وأمتعة الناس وغيرها من الأعمال التي عملها الشيخ ليساعد والده ويوفر الحياة الكريمة لأسرته ونظرًا لكل الخبرات المتراكمة التي حصل عليها من خلال تواجده المُستمر في السوق المحلي السعودي واحتكاكه المُباشر بالتجار استطاع أن يأتي بأفكار مُبدعة رائدة ليس للسوق المحلي السعودي فحسب بل تجاوزت هذه الأفكار إلى الأسواق العالمية من خلال إقامة العديد من المشاريع في مختلف المجالات واستطاع بذلك خلق آلاف من الوظائف للشباب ولازالت إسهاماته مستمرة إلى يومنا هذا.

وفي السياق نفسه وعلى الرغم من عدم ذكر الكاتب لهذه الشخصية العظيمة التي نفخر نحن العمانيين ونفاخر بها أمام الجميع وهي شخصية شيخنا وعالمنا الجليل سماحة العلامة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي متعه بالصحة والعافية مفتي عام سلطنة عُمان فعلو همته وحبه للعلم والمعرفة دفعاه دفعاً إلى الغوص في شتى بحور العلم والمعرفة وشهد على نبوغه وغزارته في مختلف العلوم والمعارف القاصي قبل الداني وما ميَّز سماحته عن غيره من مشايخ العلم أنّه أصبحً مفتيا ليس لمذهب واحد وإنما لثلاثة مذاهب إسلامية مختلفة :المذهب الإباضي، والمذهب السني على اختلاف مدارسه الفكرية، والمذهب الشيعي على اختلاف مدارسه الفكرية أيضاً.

والهدف الموجز والمختصر لسرد بعض مشاهد حياة هؤلاء العظماء هو إيصال رسالة إلى كل أم وأب يشعرون بألا مستقبل مشرق لأبنائهم بسبب فشلهم في جانب من جوانب حياتهم وفي الغالب يكون هذا الجانب هو الجانب الدراسي من خلال كرههم وإهمالهم لدروسهم وبالتالي عدم تفوقهم دراسياً فأقول لهم: ليس من العدل أن تحكموا عليهم من جانب واحد وتهملوا بقية الجوانب الأخرى فقد يكونون فاشلين في جانب دراستهم ولكن في الوقت نفسه مبدعين ومتميزين في جوانب أخرى فقط أفسحوا لهم المجال وامنحوهم حريتهم لكي يبدعوا وينجزوا في المجال الذي يعشقونه وسترون بعد ذلك النجاحات والإنجازات التي سيحققونها.

ليست العبرة بمن دخل في أرقى الجامعات وأفضل الكليات وحصل على أعلى الشهادات ولكن العبرة في أولئك الموهوبين والمبدعين الذين بأيديهم الحلول التي نستطيع بها أن نخرج من الأزمات وكم نحن بحاجة ماسة وملحة الآن لهؤلاء لإخراجنا من الكوارث والأزمات التي نمر بها في حياتنا على مختلف الأصعدة الصحية والعلمية والسياسية ...إلخ. ورسالة أخيرة لكل شاب وشابة ممن لم يحالفهم الحظ بدخول أية مؤسسة علمية عالية لا تيأسوا ولا تحبطوا فلربما تكونوا أنتم العظماء الذين نبحث عنهم وتستطيعوا تغيير وجه التاريخ فقط ثقوا بأنفسكم وركزوا على مواطن قوتكم وحاولوا التَّغلب على مواطن ضعفكم والله ولي التوفيق.

rahmalsu92@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك