اليورو فوبيا..!

المعتصم البوسعيدي

لقد وصلت أوروبا من بعد عصر "التنوير والثورة الصناعية" أو عصر "النهضة والإصلاح" لقمة الهرم العالمي قبل ان تُسلم الزمام للولايات المتحدة الأمريكية بالرغم من وجود الاتحاد الأوروبي الذي يُعتبر "أكبر منظمة للتعاون الاقتصادي والسياسي"، وعلى هذا نجد في الجانب الكروي أقوى وأغنى البطولات وأنجحها تنظيميًا وأكثرها متابعة سواء من حيث الحضور في الملاعب نفسها أو من خلال المشاهدة من مختلف بقاع الأرض.

كثيرة مدائحنا لأوروبا، كثيرة بحيث "نرفع القبعة" لتطلعاتهم وسقف طموحاتهم وجودة عِلمهم وإتقان عملِهم، كثيرة حتى لرياضتِهم وكرتهم التي باتت أجمل من كرة "السامبا" سيدة اللعبة الجميلة التي غدت "شبح" يطارد ماضٍ رحل، في أوروبا "ماكينات" ألمانية لا تعرف الهدوء، وأناقة إيطالية تفوق الفساد والمافيا، وزمان أندلسي جاد غيثه "بالتيكي تاكا"، وعطر فرنسي لا يقاوم سحره، وزهور هولندية شاملة، وأسود ثلاثة خرجت من عرين أفضل دوري بالعالم، ودول تحكي قصة مجد اتحاد سوفيتي مفكك، واستكشاف برتغالي متجدد، وفلسفة إغريقية كذبت الواقع، ودول إسكندنافية تملك روح الإخوان "لاودروب" ورفاقهم في بداية تسعينيات القرن العشرين.

هذه الهالة الكروية الأوروبية تصطدم بواقع عربي أو محلي يصعبُ مقارنته ومقاربته، يجعلنا نمجد الفكر الأوروبي والاستثمار الحقيقي لكرة القدم علاوة على الجمهور الكروي ومدى تحضره وتنظيمه، لكن "كلنا كالقمر لدينا جانب مظلم" جانب يظهر وجه أوروبي مغاير يتسم بالعصبية المقيتة والشغب الجماهيري البعيد كل البعد عن الإنسانية والأسلوب الحضاري في التشجيع والاحترام والرقي، ولعلَّنا شاهدنا الشغب الذي رافق بداية "يورو 2016" بفرنسا، الأمر الذي لا يُعد استثناءً؛ بل امتداد لحالات كثيرة خاصة من الجمهور الإنجليزي "الهوليجانز" الذي له سوابق متعددة وفي فرنسا بالذات كانت له سابقة في مونديال 1998م حتى إنهم اتهموا ـ آنذاك ـ الجماهير العربية بإثارة الشغب قبل ان تُكشف حقيقتهم ويُعتقل قائدهم الذي قام مع مجموعته بحرق العلم التونسي، ونتذكر أيضًا كارثة ملعب هيسل في بروكسل والتدافع الذي حصل بسبب أعمال الشغب أبان مباراة اليوفي وليفربول برسم نهائي كأس الأندية البطلة 1985م والذي أودى بحياة 39 شخص وإصابة 600 آخرين، أضف لتزايد العنصرية في معظم الملاعب الأوروبية والهتافات والسلوكيات ضد اللاعبين ذوي الأصول والديانات المختلفة، الأمر الذي يُفسر العديد من حملات مكافحة العنصرية للاتحاد الأوروبي على وجه التحديد.

لطالما وضع الغرب وصاياهم لمحاربة الإرهاب، ومكافحة العنصرية، ولطالما تاجروا بالحرية وحقوق الإنسان، ورفعوا شعارات التحضر في وجه "العالم الثالث"، لكن حريًا بهم ان يرفعوها -أيضًا- نحو مجتمعاتهم وجمهورهم الكروي على وجه الخصوص، لقد كانت هناك مخاوف أمنية قبل بداية "يورو 2016" بعد سلسلة الهجمات الإرهابية بباريس في فترات سابقة، وشغب جمهور مرسيليا في الدوري الفرنسي، ومع هذا كانت اللدغة من الداخل الأوربي، ولا أتشفى إذ أقول ذلك؛ لكنها فرصة للتعريض بما يحدث هناك مقابل ما صُنع هنا بالترويج لـ "إسلامو فوبيا"؛ فبعض جماهير أوروبا ما توقفت عن ممارسة شغبها في كل محفل داخل وخارج القارة العجوز، وقد كان مونديال البرازيل 2014م شاهدًا على محاولة اعتداء الجماهير الإنجليزية على جماهير الأورجواي.

ولا يعني أنَّ شغب المدرجات محتكر على الجماهير الأوروبية، ولا يعني أن "الويفا" وقف مكتوف اليدين ضد أحداث الشغب وسلوكيات بعض الجماهير، لكنني أرى المشهد الأوروبي على نحو ظاهرة دائمة، وقد دخل على خط "الهوليجانز" الإنجليزي "الهوليجانز" الروسي، لذا علينا تسمية الأشياء بمسمياتها ولا أجد أنسب من "اليورو فوبيا"!

تعليق عبر الفيس بوك