واقع برامج التدريب في مؤسساتنا..!

سيف بن سالم المعمري

أصبحت برامج التدريب وتنمية الموارد البشرية مطلبًا ملحاً في مؤسساتنا الحكومية والخاصة، وسعت تلك المؤسسات إلى وضع خططها وبرامجها التدريبية كأحد أهم مرتكزاتها في تجويد العمل، وتجلى ذلك في الاهتمام بكوادرها البشرية ورفدهم بالمعارف والمهارات المتجددة التي تعينهم على الوصول بمؤسساتهم إلى مستويات عالية من الإتقان والدقة في تطبيق أنظمة المؤسسة وتحقيق تطلعاتها وإرضاء المراجعين والمستفيدين من خدماتها ورسالتها المهنية.

وتضاعف الاهتمام ببرامج التدريب وانتقاء نوعيتها وتشخيص الحاجات الفعلية لكوادر مؤسساتنا في ظل الفضاءات المفتوحة ومصادر المعرفة المُتعددة وتداخل المجتمعات والثقافات وتعدد وسائل التَّواصل والاتصالات، فرصدت الميزانية العالية واستنزفت برامج التدريب في مؤسساتنا أوقات العمل الفعلية، وأصبحت الحاجة أكثر إلحاحاً في مؤسساتنا للتقييم الموضوعي لفعالية تلك البرامج والأثر المُباشر في إنتاجية المؤسسة وتجويد خدماتها إلى الجمهور.

ورغم إيماننا بأهمية البرامج التدريبية لرفع مستوى كفاءة الكوادر البشرية في جميع المؤسسات إلا أنّ واقع تنفيذ تلك البرامج في مختلف مؤسساتنا لا يزال بحاجة إلى وضع النقاط على الحروف، وإن كنّا لا ننكر جهود الحكومة في دعم البرامج التدريبية وتسخير الكوادر والخبرات المحلية والإقليمية والدولية ورصد المبالغ الفلكية لتنفيذ برامج التدريب داخل السلطنة وخارجها، من أجل مزيدٍ من التأهيل واكتساب الخبرات والمهارات النوعية لدعم إنتاجية مؤسساتنا.

وإن كنّا لا نستطيع أن نقول إنّ جميع ما نُفذ من تلك البرامج لم يأتِ بفعالية مُباشرة على الموظفين وعلى المؤسسة والجمهور، إلا أنه على الجهات المسؤولة بالسلطنة أن تقف على المبالغ التي تمّ صرفها لبرامج التدريب خلال الخمس سنوات الماضية ومقارنتها بمدى فعاليتها لتطوير كوادرها البشرية وتحقيق قناعتها في رسالة المؤسسة ورؤيتها وإرضاء الجمهور بخدماتها.

فقد تكون نوعية بعض البرامج التي نفذت على درجة كبيرة جداً من المهنية والاحترافية؛ ولكن قد تكون تشخيص الاحتياجات التدريبية لفئة مُعينة من الموظفين في المؤسسة لم يتم انتقاؤه بعناية، فتجنح بعض المؤسسات -وللأسف الشديد- إلى عدم الاكتراث إلى تشخيص حاجة موظفيها لبرامج تدريبية معينة ترفع مستوى كفاءتهم، وقد تكون بعض البرامج مركزة على جوانب معينة وتغفل جوانب ذات أهمية فمثلاً تنفذ مؤسساتنا عدة برامج لتأهيل كوادرها في المهارات الوظيفية بينما تتجاهل مهارات استقبال المراجع أو المستفيد من خدماتها والتعريف برسالتها، فتجد التذمر من المؤسسات من شرائح واسعة من المجتمع، وهو بلا شك يؤثر سلباً على أدائها وإنتاجية موظفيها، ويتسبب في هدر الوقت ومال المؤسسة.

كذلك تجد بعض المعنيين بشأن التدريب في بعض المؤسسات أو رئيس الوحدة يقوم بمحاباة موظفين معينين للولوج إلى برنامج تدريبي معين وخاصة في البرامج التدريبية التي تنفذ خارج السلطنة أو حتى بالبرامج التي ينفذها متخصصون من خارج السلطنة أو داخلها وله سمعة كبيرة جدًا، والهدف من محاباة المسؤول لموظفه قد يكون خارج حدود المهنية وهذا واقع مؤلم نعايشه في مؤسساتنا وللأسف الشديد.

بالإضافة إلى ذلك فيوجد بعض المسؤولين الذين يؤثرون المشاركة وحضور البرامج التدريبية النوعية المحلية والخارجية لأنفسهم لا لتطوير مهاراتهم ورسالتهم المهنية؛ ولكن من أجل أن يزحموا سيرهم الذاتية بالمشاركات المُتعددة في البرامج التدريبية التي ستكون لهم جسراً للعبور لوظيفة أعلى والاستفادة من البدلات المالية والإقامة في مواقع التدريب وللأسف الشديد هذا ما نُعايشه في مؤسساتنا.

ورغم أننا كثير ما نسمع في قواميس البرامج التدريبية مفهوم" نقل الأثر التدريبي" إلا أنّه لا يعدو هذا المفهوم سوى أنّه "حبر على ورق " وما تكرار البرامج التدريبية ومُسمياتها ومقدميها وتعدد سنوات معينة في تنفيذها في مؤسسة معينة ولشريحة معينة من الموظفين إلا خير برهان على عدم وجود انتقال فعلي للأثر التدريبي لبرامج المؤسسة وإن الموظف الذي خُص بالدخول في البرنامج التدريبي أكتفى بشهادة كتب عليها " تشهد المؤسسة أنّه حضر البرنامج المُعين"، وأحيانًا قد لا يلام الموظف فكثير منهم يتم إقحامهم في برامج وهم غير راغبين فيها لسبب أو لآخر والمسؤول لا يشفي غليله منهم إلا بعد تأكده من إثبات حضورهم وانصرافهم من البرنامج التدريبي وليس مهمًا لديهم ما يستفيدونه من البرنامج ولا يلزمهم بنقل ما اكتسبوه لزملائهم، والمسؤول حقق ما يريده حينما يرفع لمسؤوله الأعلى خطة مؤسسته في تنفيذه لبرامج الإنماء المهني لموظفيه، وقد شكى لي عدد كبير منهم هذا الواقع، وكنت حاضراً بينهم طوال فترة البرنامج التدريبي، فلا يكاد يقع بصري عليهم إلا وأجدهم مشغولون بهواتفهم ويحسبون دقائق يومهم بالثواني.

ولكي يتم تقنين البرامج التدريبية وتضمن مؤسساتنا فعالية برامجها وتأثيرها المُباشر على تعزيز رسالة المؤسسة وتجويد عملها ولنقل الأثر التدريبي لأكبر شريحة من موظفيها عليها أولاً: أن ترصد الاحتياجات الفعلية للبرامج التدريبية وأن تكون شاملة ومتوازنة ومتكاملة، وثانيا: أن تتوفر الرغبة الشخصية للمتدرب وأن تقرن مشاركته بإلزامه بنقل الأثر التدريبي ودفع كلفة البرنامج المالية إن أخل بالتزامه وحرمانه من البرامج اللاحقة، وثالثاً: أن يُقيم الموظف المتدرب من قبل المتخصصين في التدريب في المؤسسة حول مدى تأثير ما اكتسبه من مهارات في تطوير المؤسسة وتأثيره المباشر على تحسين مستوى الخدمات التي تقدمها، وأن يتم بناء البرامج التدريبية اللاحقة المستحقة للموظف بعد إتقانه مهارات البرنامج السابق، ورابعا: أن يراعى العدالة في توزيع المشاركة في حضور الموظفين للبرامج التدريبية، وألا يعتد بخبرة الموظف بالسنوات إن لم يثبت مدى إلمامه بمهاراته الوظيفية وقدرته على الابتكار والتجديد وتوظيفه للتكنولوجيا الحديثة وإطلاعه على مستجداتها التقنية والتي تلامس حاجته الوظيفية وتعكس مهاراته في تجويد عمله والرقي بمؤسسته.

وقد يقول قائل: إنّنا بتلك الإجراءات سنُقلل المتزاحمين على المشاركة في البرامج التدريبية، وقد يكون ذلك صحيحا؛ ولكن أن يتقدم إلى البرامج التدريبية في المؤسسة من لديه الرغبة خير من أن تنفق المؤسسة أموالا طائلة دون فعالية في برامج لا تضيف لها سوى الأعباء المالية، وسيبقى الطريق أمام المبدعين والراغبين في التطوير والتجديد والابتكار للمؤسسة دون زحام! ، وسترتقي مؤسساتنا بطموحاتهم وتطلعاتهم!.

ودمتم ودامت عُمان بخير ،،،

 Saif5900@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك