السندباد.. يجوب البلاد

المعتصم البوسعيدي

عندما حطت مكتبة السندباد المتنقلة للأطفال راحلتها في قرية الأخضر بنيابة سمد الشأن مُلبية دعوة فريق الأخضر التابع لنادي المضيبي فقد حطت ـ وبالتحديد ـ على ذات البقعة التي كانت شاهدةً على بيت طيني يُسمى "البيت العود" أي البيت الكبير الذي بُني في العام 1185هـ على يد "الوالي الأكبر" السيد عبدالله بن محمد البوسعيدي "والي سمد الشأن ونواحي الشرقية" ـ آنذاك ـ في عهد الإمام أحمد بن سعيد مؤسس دولة البوسعيد.. بيت لم تبق منه أطلال يُبكى عليها إلا قلعةً شامخةً يشدها الحنين إلى ذاك الطين الذي اندثر، بيت يجري في وسط محيطه فلج لا زال قائمًا ولطالما كان عنوان حياة القرية، بيت يسكنه حتى ثمانينيات القرن المنصرم أحفاد "الوكيل" الأفخم المكرم خلفان بن محمد كما قال عنه سلطان الإمبراطورية العُمانية سعيد بن سلطان وهو يكتب خطابه لحاكم جزيرة موريشيوس بتاريخ 01 أبريل 1807م/ 1222هـ يقول فيها: "وقد وجهنا لجنابكم بصحبة هذه الأحرف جناب الأكرم المكرم أخينا السيد ماجد بن الأفخم المكرم الشيخ خلفان الوكيل بن محمد البوسعيدي وكما هو معلوم أن جناب المذكور هو من نعتمد عليه في أصعب المهمات، وهو وكيل من قبلنا وقائم مقامنا في كل الذي يقابلكم فيه عنا من عهد ووعد وميثاق وكل ما يتمه مع جنابكم فهو تام لأنه عنّا ومنّا".

مكتبة السندباد التي قال عنها ـ أبان تدشينها ـ المكرم الأستاذ حاتم الطائي المدير العام ورئيس تحرير جريدة الرؤية ـ الجهة المشرفة على المكتبة ـ: "إنّها مشروع وطني طموح ومشروع حضاري" خُيل إليّ إذ تقف في حمى قلعة الأخضر إنها تعيش لحظة عناق بين الحاضر والمجد التليد؛ حيث رائحة التاريخ تنبعث لتعانق زهور أطفال اشرأبت أعناقهم ليرتووا من نبع القراءة الصافي

المكتبة زارت ما يُناهز (200) مدرسة في السلطنة، وزعت خلالها أكثر من (20) ألف كتاب مجاني للأطفال وشاركت في مناسبات متعددة على تنوع جغرافيا الوطن في تطواف رائع حمل مضامين اسمها "السندباد"، لقد أدهشتني الفكرة منذُ عرفتها، لكن ما أدهشني وأثار إعجابي حقًا فلذات الأكباد وهم يتسابقون للكتاب ليس "نزقا" بل حبًا للإطلاع والمعرفة، شيء بداخلي حركته أسئلتهم عن الكتب ومحاولتهم البحث عن عناوين معينة والحرص على الشراء كحرص الأمهات والآباء، "ورُسل العلم" من معلمات فاضلات حرصنَ ـ إيّما حرص ـ على اقتناء الأطفال كتب تناسب أعمارهم وأفكارهم، علاوة على تفاعل كافة شرائح المجتمع المدني مع الفعالية بحب وسلام منقطع النظير.

رؤية القائمين على مكتبة السندباد المتنقلة للأطفال تتلخص في أن القراءة مشروع حياة، لذلك استهدفت هذه الفئة العمرية، والمكتبة تمارس دورها في نشر رسالة الوحي الأول.. "اقرأ"، مستشرفةً بناء إنسان هذا الوطن العزيز منذ الصغر؛ "فقارئ اليوم قائد الغد" وبالقراءة "يُقاس تقدم الأمم"، ولقد مُزجت الفكرة الإبداعية بأفكار أخرى من خلال تقديم حلقات قرائية وإضفاء روح التنافس والمرح والجوائز على القراءة، وحسنًا فعل فريق الأخضر أيضًا عندما لطف حرارة الجو بفعاليات الطبق الخيري والرسم على الوجوه والتصوير مع مجسم جميل للسندباد، ليكون السندباد مهرجانًا من ضياء الحروف وكلمات الأماني وروح العمل التطوعي نساءً ورجال، وتفعيلاً واقعيًا لدور الفرق الأهلية ومسؤولياتها المجتمعية.

لقد جابت مكتبة السندباد البلاد وغادرت هذه المرة قرية الأخضر التي ما فتئت ترحب بكل زائر، قرية اشتهرت باخضرار الأرض والبشر، وبحرفة النسيج التقليدية على أرقى وأعلى مستوى، ومرَ عبر تاريخها شخصيات بارزة أذكر منها ـ أيضًا ـ الشيخ الفقيه سالم بن سيف بن مسلم الفرعي أحد قضاة الإمام السيد عزان بن قيس وكان له مسجد يتعبد فيه باق ومعروف في القرية، ولعلَّ خير ما اختم به حديثي هنا بيت شعر لأحد هذه الشخصيات إلا وهو السيد العلامة والفقيه الشاعر حمد بن سيف البوسعيدي ـ رحمه الله ـ من قصيدته التي ذكر فيها سمد الشأن بمناطقها وعلمائها ورجالها الصالحين: "والأخضر الفيحاء لُذ بفنائها/ تجد الحماية للنزيلِ ومن سكن".

تعليق عبر الفيس بوك