من يستهدف مصر؟

صالح البلوشي

فُجع العالم قبل عدة أيام بحادثة سقوط (أو إسقاط) الطائرة المدنية المصرية (إيرباص إيه 320) التابعة لشركة مصر للطيران فوق البحر المتوسط، وهي قادمة من باريس إلى القاهرة، وعلى متنها 66 راكبا، ولم يستبعد المسؤولون المصريون والفرنسيون وجود عمل إرهابي وراء هذه الحادثة المأساوية.

هذه الحادثة وقبلها حادثة إسقاط طائرة روسية تقل 224 شخصا قرب العريش وسط شبه جزيرة سيناء في أكتوبر الماضي، تكشف عن وجود جهات تريد الإضرار بالاقتصاد المصري وانهيار الدولة المصرية عن طريق ضرب السياحة في هذا البلد العريق، الذي يضم آثارا تاريخية وسياحية تجذب ملايين السياح من جميع دول العالم؛ حيث تشير الإحصائيات عن وجود ثلاثة ملايين سائح من روسيا لوحدها منهم مليون سائح يزورون شرم الشيخ سنويا، وقد انخفض هذا العدد بشكل كبير جدا بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية؛ مما أدى لخسارة آلاف الشباب المصريين الذين يعملون في هذا القطاع المهم وظائفهم، وفي زيارتنا إلى مصر قبل عدة أيام؛ للمشاركة في الاجتماع السابع لاتحاد كتاب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، في منتجع جونه السياحي بالغردقة في محافظة البحر الأحمر، كانت هناك فنادق ضخمة خالية تقريبا من السياح بعد أن كانت تعج بهم في السنوات الأخيرة. ورغم حالة التحسن الملموس في النشاط السياحي في الفترة الأخيرة وعودة الاطمئنان الأمني إلا أن هناك مخاوف كبيرة من عودة الركود السياحي مجددا بعد حادثة الطائرة الأخيرة، وهناك أيضا مخاوف من وصول حالة الركود إلى شركة الطيران المصرية نفسها؛ مما دفع بعض المغردين المصريين لإطلاق هاشتاج في برنامج التواصل الإجتماعي "تويتر" بعنوان "مش حسافر غير بمصر للطيران"، أعربوا فيه عن ثقتهم بالطيار المصري، وأن ما حدث هو خطة لضرب الطيران المصري ضمن المحاولات التي تجري لضرب الاقتصاد المصري.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا؛ هو: من المستفيد من ضرب مصر وتدمير اقتصادها؟ إذا رجعنا بالذاكرة إلى الوراء قليلا وتحديدا في أحداث يناير عام 2011، نلاحظ أن هناك جهات كانت تتدخل كلما ساد هدوء في الموقف بين الحكومة والمعتصمين في ميدان التحرير؛ من أجل إشعال الوضع مجددا، لأن الهدف كان واضحًا جدًا وهو إسقاط الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وإثارة الاضطرابات والقلاقل في مصر، وجميعنا نتذكر حالة الهدوء التي سادت البلاد بعد خطاب الرئيس مبارك بتاريخ 9/2/2011، وظهور بوادر انفراج الأزمة، حتى فوجئ الجميع بافتعال "موقعة الجمل" من أجل إشعال الموقف مجددا بين المتظاهرين والنظام، وتبع ذلك ظهور سلسلة شائعات أطلقت من بعض القنوات الفضائية العربية حول ثروة الرئيس مبارك التي ثبُت كذبها بعد ذلك، ولم تتوقف هذه المحاولات حتى بعد سقوط النظام السابق، ولكن هذه المرة عن طريق بث الشائعات ضد المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي استلم السلطة مؤقتا بعد تنحي الرئيس مبارك، ولكنها جميعها باءت بالفشل بفضل صمود ووعي ويقظة الجيش المصري الذي عرف بتاريخه الطويل أن هناك جهات إقليمية ودولية تسعى بكل قوتها لتدمير البلد كما فعلت في العراق وليبيا واليمن، وتحاول الآن أيضا في سوريا؛ لذلك كان تدخل الجيش حاسما في أحداث الثلاثين من يونيو سنة 2013 التي كادت أن تودي بالبلاد إلى الهاوية عن طريق الانحياز للإرادة الشعبية التي رفعت صوتها بالتغيير، ولولا هذا التدخل الحاسم لنجحت خطط القوى المعادية لمصر والأمة العربية في زرع الفوضى في هذا البلد العربي العريق.

لقد لاحظنا خلال مشاركتنا في مؤتمر اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية حجم المبالغات التي تثيرها بعض قنوات التحريض والفتنة عن التدهور الأمني في مصر إلى درجة إيهام المشاهدين بأن المصري لا يأمن على الخروج من بيته والعودة إليه سالما، وأن الغضب على النظام والرفض لسياساته يسود مصر حتى يخيل لمتابعي هذه القنوات أن سقوط النظام بات مسألة أيام فقط، ولكنها جميعها ادعاءات فارغة تثير الشفقة على مروجيها ومصدقيها. صحيح أنَّ البلد يعاني من أزمة اقتصادية خانقة وخاصة في مجال السياحة التي تأثرت كثيرا بعد حادثة الطائرة الروسية، ولكن الصحيح أيضا أن هناك رغبة حكومية وشعبية كبيرة للخروج من هذه الأزمة، خاصة بعد أن سقط الخطاب الإخواني، الذي كان يتستر بالدين، وبعد انكشاف هويته الحقيقية وارتباطه بقوى في الخارج ومشاركته في الحملة المعادية لمصر من خلال القنوات التي وفرتها له هذه القوى، ولكن جميع ذلك لا يهم كثيرا المصريين، فالشعب المصري شبع من هذه الخطابات وهو لا يريد أحزابا وخطابات سياسية، وإنما يتطلع إلى بناء دولة قوية واقتصاد متين وأن تعود مصر لدورها المؤثر في المنطقة والعالم كما كان في السابق، وهو الدور الذي لا يريده الذين يستهدفونمصر اليوم كما كانوا يستهدفونها بالأمس.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة