الإضراب.. ما هو؟

د.سعد بساطة

نسمع بكلمة "لإضراب" مرات عديدة؛ ولأسباب مختلفة، ولا ندري بدقة ما تعنيه اللفظة؛ ولا ماهي القوانين التي تحكم الإضرابات.

بالتعريف: هو التوقف عن العمل بصورة مقصودة وجماعية؛ للضغط على ربِّ العمل؛ بغية الحصول على مطالب شتى (ساعات عمل أقل؛ أجور أعلى؛ ظروف عمل أكثر أماناً...إلخ).

هنالك إضرابات مختلفة..العصيان المدني: وهو إضراب المواطن/امتناعه عن دفع الضرائب؛ أو رسوم التي تجبيها الدولة (ماء؛ كهرباء...إلخ)؛ وإضراب السجناء عن الطعام؛ وإضراب الطلاب عن الدراسة حتى تتحقق مطالبهم (تغيير استاذ؛ تعديل الإدارة؛ ظروف الامتحانات...إلخ).

ومؤخرا، نفَّذ العاملون بشركة الطيران الألمانية "لوفتهانزا" إضرابا جزئيا لرفع أجورهم؛ وقد ألغيت 60% من الرحلات الجوية بسبب ذلك. وقبل سنة أضرب العاملون بالدولة في اليونان؛ احتجاجاً على سياسة التقشف الحكومية.. وآخر إضراب عربي: كان للعاملين في شركة النفط الكويتية؛ بمنتصف أبريل الماضي؛ وقد أدى لنتائج غبر متوقعة؛ فقد ارتفعت أسعار النفط؛ بسبب الخوف العالمي من توقف إنتاج هذه الدولة وتأثيراته (كونها رابع منتج للنفط ضمن "أوبيك")؛ مما انعكس إيجابياً على الأسعار!

وحكمتْ مُؤخراً محكمة بمصر لعمال معمل نسيج هناك بشرعية إضرابهم، قائلة في الحيثيات: إنَّ الإضراب "من الحقوق الدستورية المكفولة لكل فئات العمال، بغضِّ النظر عن الجهة التي يعملون بها؛ سواء بالقطاع الحكومي أو الخاص.. استعمال العمال لهذا الحق جلبًا لحقوقهم دون إضرار بالمرافق العامة هو استعمال مشروع لحق ثابت دستوريًا ولا يستوجب عقابًا".

وأول إضراب -منذ 41 سنة- لأطباء بريطانية؛ تمَّ منذ للاحتجاج على الخطط الحكومية للأجور؛ مما يضع أرواح المرضى في خطر -بحسب مسؤول حكومي- مما دفع الأطباء لتقديم خدمات الطوارئ فقط.

ومن المعلومات الطريفة: أنَّ أول إضراب بالتاريخ كان بمصر سنة 1152 قبل الميلاد؛ حيث نفَّذه العاملون بمقبرة الملك رمسيس احتجاجاً على تأخير الرواتب! تحقق لهم جزء من مطالبهم؛ بُعَيْدها قاموا بمسيرة ليلية حاملين المشاعل لبيت الوزير الذي نفَّذ لهم ما أرادوا؛ عندها قدموا القرابين شكرا للآلهة.

بدأتْ الإضرابات في عالمنا الحديث بعد الثورة الصناعية؛ بعد اكتساب اليد العاملة أهمية في المعامل والمناجم.

ومن الطَّريف أنَّ الدستور المكسيكي كان سبَّاقاً في هذا المجال؛ حيث اعترف بحق العمال بالإضراب منذ 1917!

ومن المعروف أنه آخر سلاح يلجأ له العمال ونقاباتهم بعد فشل التفاوض مع رب العمل! بحسب القانون المصري (ويشابهه بحيثياته الكثير من القوانين بالبلدان العربية)، فإنَّ القانون يستثني بعض الأطراف من الحق في الإضراب؟ تحظر بعض مواد من قانون العمل الإضراب في المنشآت الإستراتيجية التي يترتب على توقف العمل فيها الإخلال بالأمن القومي؛ وهي: "منشآت الأمن القومي والإنتاج الحربي، المستشفيات والمراكز الطبية والصيدليات والمخابز ووسائل النقل الجماعي للركاب، ووسائل نقل البضائع ومنشآت الدفاع المدني ومنشآت الاتصالات ومنشآت المواني والمنائر والمطارات والعاملون في المؤسسات التعليمية".

هنالك تصنيف لأنواع الإضرابات:

- قد يتجلَّى الإضراب في رفض العمال الخروج من المكان. يعرف هذا النوع من الإضراب بإضراب جلوس (Sit-down strike).

- أسلوب آخر في الإضراب هو العمل حسب ما يقتضيه القانون فقط (work-to-rule)؛ حيث يسمى "إضراب جزئي" أو "تباطؤ".

- إضراب التعاطف (sympathy strike)، وهو صورة مصغَّرة من إضراب عام ويتم فيه تعاطف مجموعة من العمال أو الموظفين مع نظرائهم في شركة أخرى والتعبير عن ذلك بشكل فعلي. (في بريطانيا، منعت حكومة تاتشر ذلك النوع من الإضراب في سنة 1980).

- إضراب ادعاء المرض (sickout)، هو نوع من الإضراب يتظاهر فيه المضربون بالمرض، حين لا تسمح لهم قوانين العمل بالإضراب.

ننتقل من كوكبنا إلى كوكب مثالي؛ وهو: اليابان.. هنالك: عندما يقرر العمال الإضراب؛ لا ينقطعون عن العمل، بل يضعون "لافتة"على قميص عملهم كتب عليه "أنا محتج على كذا.. ويزاولون يومهم العملي بشكل اعتيادي إلى أن يأتي رب العمل/المسؤول؛ ويعقد اجتماعا معهم.. ليصلوا إلى نتيجة.

ومن الإضرابات الطريفة: أفادت تقارير إعلامية بأنَّ نساء مدينة صغيرة في كولومبيا بدأن ثاني إضراب عن معاشرة أزواجهن؛ بغية المطالبة بإصلاح الطريق المؤدية إلى هذه المدينة الواقعة في منطقة نائية بجنوب غرب البلاد. وأوضحت التقارير أنَّ الإضراب آتى أكله لأن أعمال إصلاح الطريق الوحيد المؤدي إلى تلك المدينة (بارباكاوس) قد استؤنفت، على ما يبدو.

إليكم هذه النكتة في السياق ذاته: أضرب الأطباء مرة للحصول على مطالب معينة؛ ولما سلموا مطاليبهم على شكل عريضة لوزير الصحة؛ فشل المسؤول في قراءة محتواها؛ لذا استدعى صيدلياً ليساعده في فك طلاسم الخط!

أذكر حكى لي والدي أنه في أربعينيات القرن الماضي -إبان الانتاداب الفرنسي على سوريا- أضرب الركاب عن الصعود في حافلات النقل الداخلي المملوكة للدولة؛ ولم يكتفوا بذلك، بل رشقوا الحافلات بالحجارة، وأضرم بعضهم فيها النار؛ وهم متناسين أنها ملك لهم وهي من عرق وتعب دافع الضرائب!

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة