طالب المقبالي
عندما تسابق الدموع الكلمات وتتراقص الأحرف لتسابق الأفواه ، وتتجلى الكلمات عبر صحائف الإنجازات ، يأتي يوم التكريم ليتوج مسيرة عمرية ليست بالقصيرة قد قضاها موظف ما في مؤسسة ما .
أفنى زهرة عمره من أجل هدف سامٍ وهو العمل بإخلاص ووفاء ، وجد واجتهاد، باذلاً الغالي والنفيس من أجل تحقيق غاية في نفسه وهي إرضاء الضمير في عمل مخلص يراعي فيه العامل ربه العالم بخائنة الأعين وما تخفي الصدور، قبل إرضاء المسؤولين وأرباب العمل، وأهم مراقبة في أداء العمل هي مراقبة الضمير.
فإذا ما اجتمعت هذه المقومات واستحضرها العامل في أداء عمله فإن النتيجة ستكون أكثر من رائعة .
وهناك وعبر فضاءات مركز الوفاء لتأهيل الأطفال المعاقين بالرستاق بدأت قصة سطرت أحرفها من ذهب امرأة عملت بإخلاص وضحت بمالها وحالها، ووهبت زهرة عمرها لمسيرة عامرة بالإنجازات من أجل رسم ابتسامة صادقة بريئة على ثغر طفلة أو طفل معاق يعاني من متلازمة داون أو من طيف التوحد، أو من طفل أو طفلة فقدت بعض أطرافها أو جميعها، فأصبحت رجلاه هي الكرسي الذي يلازمه طوال عمره .
إن من يزرع الابتسامة في نفوس هؤلاء الأطفال ويضحي من أجلهم يستحق كل الإجلال والتقدير والاحترام . "أم بسام" تلك المرأة العظيمة التي كرَّست جل وقتها من أجل هؤلاء رغم كونها زوجة وأم، تقاسمت يومها بين زوجها وأولادها وبين هؤلاء الأطفال.
تصل الليل بالنهار تعمل كمتطوعة، تعطي ولا تأخذ، وتصرف دون مقابل، وتكرم الضيف، وتقيم الاحتفالات وتكرم الأطفال على نفقتها الخاصة.
لقد تقمصت دور الأم في معاملة هؤلاء الأطفال، بل وتفوقت على الأم الحقيقية، فهي تمتلك ما لا تمتلكه الأم، تمتلك الخبرة في معاملة مثل هؤلاء الأطفال، تمتلك الحنان والسكينة والعاطفة التي يفتقد إليها البعض.
ولا أبالغ إن قلت بأن بعض الأطفال لا يرغبون في الذهاب إلى منازلهم لفارق المعاناة والحنان الذي يلقونه بين المركز والمنزل، فهناك من يُعاني حيث لا يجد البعض الرعاية والحنان في المنزل كما يجدهما في المركز على يدي أم بسام ومن تدربوا على يديها واكتسبوا من خبرتها، وتعلموا من حنانها وتضحياتها .
فكوني لصيق بهم من خلال عملي أدرك ما لا تدركه وأنت تقرأ هذه الكلمات.
"أم بسام" أصبحت أماً للجميع من أطفال ومن موظفات بهذا المركز، وأخت لنا جميعاً في هذا المحيط .
اليوم أم بسام تودع مركز الوفاء لتأهيل الأطفال المعاقين بجسدها وتبقى الروح معلقة به وبما يحتضنه من أطفال تتمنى أن تخدمهم لآخر نفس في حياتها.
اليوم ذرفت عيوننا قبل عينيها، وتلعثمت الكلمات ونحن نودعها، وتباينت تعابير الوجوه وهي تلقي إليها التحية، وتتمنى لها حياة أسرية سعيدة.
ولعل بعض أطفالها لا يدركون أنّها ستغادرهم ولن يروها إلا عندما تأتي لزيارتهم وتطل عليهم بين الفينة والأخرى، فتمسح على رأس هذا وتطبع قبلة على خد تلك.
لا أستطيع وصف المشهد الذي عشته اليوم، إنها قصة عشق ومسيرة محبة.
وفقك الله أم بسام وجعل ذلك في ميزان حسناتك.