تُجّار التعليم الخاص

إضاءة

مسعود الحمداني

أصبحت أعداد المدارس الخاصة أكثر من عدد مقاهي (شاي كرك)، والتي تجدها منتشرة في كل مكان، وهذا ليس عيبًا في حد ذاته، فالتعليم مطلب أساسيّ في أيّ دولة، ولكن حين يأتي الكم على حساب النوعية وصرامة الضوابط فذلك يحتاج إلى وقفة.. فليس لكثير من هذه (المدارس) هَمّ سوى الربح المادي، وليس لدى كثير من أصحابها رؤية واضحة، ولا هاجس لهم سوى التكسّب المالي، ولا يقدّم معظمها خدمة تعليمية مُميزة، أو منافِسة، ولكنها أصبحت من المهن التجارية المربحة التي لا تحتاج إلى الكثير من الجهد، والتنظيم، والمتابعة..

فحيثما ولّيت وجهك تجد هذه المدارس منتشرة، وسط الأحياء السكنية، وفي بيوت خاصة في كثير من الأحيان، دون وجود مواصفات فنية صارمة لتلك المباني (المدرسية) في أكثرها، بحجة (تشجيع الاستثمار في قطاع التعليم)..ولكن هذا (الاستثمار) أصبح مجرد استنساخٍ وتقليدٍ لنشاطٍ تجاريّ مربح، لا مبتكِرا أو موجّها، تماماً كما تفعل الأفكار التجارية الكسولة لدى كثير من تجار البلد الذين ما يكادون يرون أو يسمعون عن مشروع ناجح إلا وقلّدوه، واستنسخوه، ليس لفهمهم ودرايتهم به، ولكن ليجربوا من خلاله حظهم في التجارة، والربح السريع.

أمرُّ أحياناً على مباني بعض هذه المدارس فإذا هي: إما فلل حديثة صممت أصلاً كمساكن لأصحابها، وإما منازل تقليدية شبه متهالكة عبارة عن (حوش) ببابٍ حديدي من النوع الرديء، وفي داخلها طلاب، وهيئة تدريس، وإداريين، ولكنها لا تقدم تعليمًا متميزًا أو منافساً للتعليم العام، وفي أغلب الأحيان لا يوجد التأهيل أو الكفاءة الأكاديمية العالية لدى معظم المنتسبين للتدريس فيها، فالإدارة تعتمد على معلمين أو معلمات (عرب) يبحثون عن أيّ فرصة عمل بأيّ راتب!!..ولذلك لا يجهد مالكو هذه المدارس أنفسهم بالبحث عن الكفاءات العلمية والتدريسية العالية، بقدر بحثهم عن خريجي الجامعات العربية الأقل راتبًا، وعن معلمي لغةٍ إنجليزيةٍ أغلبهم من دول آسيوية لا يجيدون النطق الصحيح للغة، ولكنهم يفون بالغرض و(يمشّون الحال)!!.

ولعله حان الوقت لرفع الكفاءة الفنية والإدارية والتعليمية لهذه المدارس، وتطبيق مواصفات ومقاييس دقيقة وحريصة على الاستثمار الحقيقي في حقل التعليم، وليس مجرد إطلاق شعارات تتحول من خلالها المدارس الخاصة إلى تجارة مربحة دون عائد علمي أو أكاديمي يذكر للطلبة وللبلد، ولعل أحد هذه الحلول هو في ضرورة إدماج بعض المدارس ضمن مدرسة واحدة قوية وقادرة على أخذ المبادرة والمنافسة، وتحقيق هدف الاستثمار في التعليم.

ولعل الكثير من أولياء الأمور يتجهون إلى المدارس الخاصة ذات الكلفة المالية الأقل هربًا من المدارس العالمية والدولية التي بدأت تتنافس في رفع رسوم الدراسة ـ تحت سمع وبصر وموافقة وزارة التربية والتعليم ـ، كما يتَّجه البعض للحصول على فرصة تعليم أعلى من تلك الموجودة في المدارس الحكومية ـ من وجهة نظرهم ـ خاصة في المحافظات خارج مسقط، إلا أنّهم لا يحصلون في نهاية المطاف إلا على مجموعة كبيرة من الأنشطة المسلية على حساب الكفاءة التعليمية والعلمية التي تفتقدها كثير من مدارس التعليم الخاص غير المؤهلة.

إنّ وجود الضوابط الفنية والإدارية والتدريسية بدءًا من المبنى، مرورًا بالتأهيل الأكاديمي، وقياس مدى جدية المستثمر، وغير ذلك هي أمور على وزارة التربية والتعليم أن تأخذها وتطبقها بشكل جاد وصارم وواضح، خوفًا من أن يتحوّل التعليم لدينا إلى تجارةٍ ربحية غير استثمارية، لا أسسٌ، ولا أفقٌ لها.

Samawat2004@live.com

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة