التباهي في المجالس العامة..!

يوسف البلوشي

لقد كانت السَّبلة الصغيرة بمفهومها التقليدي في السلطنة مقرا للألفة والمحبة وتجميع الناس للتعارف والتعلم وتبادل الخبرة. وعملت السبلة أو المجلس في ذاك الزمن ضمن غمار تاريخها وامتداده الواسع كإرث حضاري ووسيلة للتواصل ونقل الأخبار والتعارف والزيارات؛ ومنها بدأت عمان تخطط لمستقبلها الحديث متمسكة بهذه العادات والتقاليد، راسمة للمستقبل آمالًا وطموحات عريضة.

وتطوَّر مفهوم السبلة مع متغيرات الحياة العصرية، وتوسع إلى المجالس العامة التي أخذت بالانتشار بين الولايات في ظاهرة محمودة؛ حفاظا على إرث السبلة القديم؛ كونها نقطة انطلاق التواصل الاجتماعي العماني. وانتشرت بشكل كبير هذه المجالس في ولاياتنا، وعملت منذ بداية فكرتها على إيجاد التوازن في استضافة المناسبات المختلفة لأفراد المجتمع الذين قد لا تتسع منازلهم، وأيضا البعد عن استخدام المساجد للمناسبات المختلفة لأنها دور عبادة لا دور لمناسبات الأفراح والأحزان.

واستمرت فكرتها الجميلة تنتشر بين مختلف الولايات وتخدم أفراد المجتمع بشكل كبير، تحت مبدأ التواد والتراحم والتكافل والرباط الإنساني.

ورأت الحكومة في هذه المجالس فكرة مجتمعية ساندتها بقوة من خلال تخصيص مساحات من الأراضي توضع تحت تصرف المواطن لتجون مجالس عامة وتعطي خدماتها، بل وتسهل لمن يستطيع أن يبني هذه المجالس لتكون أيضا امتدادًا لدور الحكومة مع المجتمع، ويبنيها المقتدر ماليا لتساهم في المجتمع بشكل كبير.

وخلال السنوات العشر الماضية أصْبَح انتشار هذه المجالس بشكل كبير، وازدادت في بعض الولايات لدرجة أنها اصبحت ظاهرة للعيان في ربوعها ورباها، تشمخ كوجهة للزوار وأبناء المجتمع بين الضرورة الملحة للخدمات الإنسانية والمناسبات والضيافة. ولكن عندما يتحول إنشاء المجالس العامة من دورها الريادي في دعم أنشطة المجتمع والمناسبات الاجتماعية لتتحول الى المباهاة ومنصة للبذخ والمظاهر، تدخل ساعتها في متاهات جديدة أخرى لاتخدم المواطن ولا تؤدي دورها كما ينبغي.

وفي بقعة صغيرة بإحدى الولايات، وفي منطقة واحدة أنشئت بها 5 مجالس، لا يكاد يبعد الواحد منها عن الآخر سوى كيلو متر واحد أو يزيد نسبيا، وكلها مزخرفة ومبنية بمواصفات قياسية عالية باذخه وصور وألوان وإنارات، وأخرى بها مصاعد، وفي أخرى مقاعد فاخرة وسجاد باهظ الأثمان...وغيرها، تحتوي على الصور الجدارية المرسومة والأواني المنقوشة والرسوم الأرضية بين أفنيتها في سباق لا يفهم منه سوى نوع من المباهاة والمفاخرة والتباهي بين جاراتها من المجالس.

وتُوضع هذه المجالس تحت مسميات القبائل وتفرعاتها والأشخاص، دون أن تأخذ الهدف العام والأسماء الوطنية مثلا.. ومن ثمَّ فإن التوزيع الجغرافي لهذه المجالس بين بعضها البعض دون أن يراعى وجود أحياء ومناطق أخرى بحاجة لمثل هذه المجالس، يضع القائمين في حرج كبير؛ إذ إنَّ هذا السباق المحموم غير ذي جدوى في أن يضيع الهدف العام وهو خدمة المجتمع وأبنائه بين هذه الرسوم والمصاعد الكهربائية والنقوش الزاهية.

وحتى نحد من انتشار هذه المجالس، وجب على المجتمع المحلي مراعاة الحاجة الفعلية للمناطق والأحياء والضرورة الملحة لإنشائها، بديلا عن هذا التنافس القبلي أو الجغرافي أو المالي.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة